.. لهذا بدأت «القاعدة» استخدام شبكاتها في العراق ضد الأردن

TT

بعد مرور اسبوع كامل على العاصفة التي ضربت الاردن واستهدفت ثلاثة فنادق وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، حان الوقت للاجابة على الكثير من الاسئلة والتساؤلات التي طرحها الاردنيون وطرحها بعض العرب وتداولتها وسائل الاعلام، التي كانت مشغولة بملاحقة ومتابعة الجوانب الأمنية والاستخبارية بالنسبة لهذا الحدث، الذي لم يشهد هذا البلد مثله منذ اغتيال رئيس الوزراء الاردني الأسبق هزاع المجالي في مطلع عقد ستينات القرن الماضي.

أهم الأسئلة التي طرحها الاردنيون على أنفسهم وعلى حكومتهم وأجهزتهم الأمنية، هو السؤال المتعلق بكيفية وصول الارهابيين الى ثلاثة فنادق رئيسية من المفترض أنها محروسة حراسة مشددة، وأنها تخضع لاجراءات أمنية استثنائية، لأن الأردن مستهدف وازداد استهدافاً في الفترة الأخيرة.

ولذلك ولأن هذه المسألة أرَّقت الأردنيين من اللحظة الاولى لوقوع هذه الهجمات الارهابية، التي لم يكن من المفترض ان تكون مفاجأة، فقد بادر العاهل الاردني عبد الله الثاني في الخطاب العاجل الذي وجهه الى شعبه، في اليوم الذي تلا وقوع هذه التفجيرات الى الاشادة بأجهزة الأمن الاردنية، والقول إنها تمكنت من احباط سلسلة طويلة من محاولات الارهابيين، وإنه أمر طبيعي ان يفلح هؤلاء في احدى محاولاتهم المستمرة.

والمعروف ان المخابرات الاردنية مشهود لها بالكفاءة والاقتدار وأنها بالاضافة الى احباطها عشرات المحاولات الارهابية التي استهدفت الأردن، ليس بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 وانما قبل ذلك بنحو عشرة أعوام، ساهمت مساهمات رئيسية في افشال العديد من العمليات التي استهدفت دولاً عربية شقيقة، مجاورة وبعيدة، ودولاً صديقة غدت في مرمى النيران منذ بداية هذه الألفية الجديدة.

وهنا ولتوخي المزيد من الموضوعية والدقة فانه لا بد من الاعتراف بأن اهتزازاً بسيطاً قد أصاب، بعد التفجيرات مباشرة، صورة الأجهزة الأمنية الأردنية في عيون أبناء الشعب الأردني، الذين كانت ثقتهم بأجهزتهم الأمنية مطلقة، وتعززت هذه الثقة لديهم بعد كشف تفاصيل هجمات مدينة العقبة، التي وقعت في أغسطس (آب) الماضي في زمن مثالي، وبعد ساعات فقط من وقوع تلك الهجمات التي اُعتبرت فاشلة لأنها لم تحقق الاهداف التي حددها الارهابيون، والذين يقفون وراءهم وهي أهداف يمكن اعتبارها استراتيجية ورئيسية.

لكن هذا الاهتزاز ما لبث ان تلاشى واستطاعت أجهزة الأمن الأردنية ان تستعيد ثقة الشعب الاردني بها عندما تمكنت في زمن قياسي ومثالي، من فك لغز عملية الفنادق الثلاثة والقاء القبض على العنصر الرابع في هذه العملية، وهو المرأة التي كان من المفترض ان تفجر نفسها بالتزامن مع تفجير زوجها لنفسه داخل القاعة الرئيسية في فندق «راديسون ساس»، حيث كان يتواصل حفل عرسٍ يشارك فيه العديد من الاطفال الى جانب المئات من النساء والرجال.

لم يكن كثيرون يصدقون التقديرات الرسمية الأولية التي رجحت الاحتمال القائل إن البضاعة البشرية التي تفجرت في فنادق عمان الثلاثة مرسلة من العراق، وان المرسل هو تنظيم القاعدة بقيادة (أبو مصعب الزرقاوي)، بل وهناك من اعتبر ان القاء التهم على مشجب الخارج بمجرد وقوع هذه الانفجارات، هو تنصل من المسؤولية وهو بمثابة هروب من مواجهة الحقيقة.

لكن كل هذه التقديرات وكل هذه الشكوك ما لبثت ان تبددت وتلاشت بمجرد الاعلان عن القاء القبض على «المرأة المتفجرة»، وبدل هذا أخذت التساؤلات تتركز على الاسباب التي جعلت «القاعدة» والأجهزة الاستخبارية التي تقف وراء معظم عملياتها التي تستهدف الأردن تحديداً، تعتمد على خلاياها في العراق، وليس على خلاياها النائمة المفترضة داخل الأراضي الأردنية.

والمعروف ان أعضاء المجموعة التي استهدفت العقبة في أغسطس (آب) الماضي بالصواريخ الموقوتة كانت «القاعدة» قد قامت بتصديرهم من العراق الى الاردن، وهذا ما ثبت بالأدلة الحاسمة والقاطعة خلال الاسبوع الماضي بالنسبة لهجمات فنادق عمان الثلاثة، بعد القاء القبض على «المرأة المتفجرة» التي جاء القاء القبض عليها بمثابة صيد ثمين وكنزٍ هائل من المعلومات بالنسبة للمخابرات الأردنية.

ان التقديرات بالنسبة لهذا الأمر تقول ان هناك ثلاثة أسباب لظاهرة بدء «القاعدة» بالاعتماد على شبكاتها ومجموعاتها في بلاد الرافدين لاستهداف الأردن، وعدم اعتمادها على شبكاتها وخلاياها المفترضة الموجودة في الاراضي الأردنية:

السبب الأول، هو أنها أي «القاعدة» لم تعد قادرة، بسبب سيطرة المخابرات الاردنية، على الاتصال بخلاياها وشبكاتها داخل الاراضي الاردنية، هذا ان وجدت مثل هذه الخلايا والتي ان هي موجودة فانها بالتأكيد لن تكون الا ضعيفة وقليلة الحيلة.

السبب الثاني، ان «القاعدة» لم تجد من بين أعضائها في الاردن من يقبل بالقيام بعملية قذرة تستهدف أردنيين أبرياء وأطفالاً كهذه العملية الأخيرة، التي استهدفت ثلاثة فنادق في عطلة نهاية الاسبوع كل نزلائها من المدنيين الأردنيين وغير الأردنيين. ثم هناك سبب وجيه ثالث وهو ان «القاعدة»، التي تلقت خلاياها وشبكاتها في الاردن خلال نحــو عشرة أعوام ضربات مدمرة على يد المخابرات الاردنية، منهمكة بانعاش هذه الخلايا والشبكات ولا تريد تعريضها لأي ضربات جديدة قبل ان تقف على أقدامها، وهي ضربات ستكون بالتأكيد قاضية ومميتة.

وبخصوص هذه الاحتمالات الثلاثة فان معظم الاردنيين يرجحون، وبخاصة بعد القاء القبض على «المرأة المتفجرة»، الاحتمال الذي يقول ان «قاعدة» الزرقاوي لم تعد، كمنظمة وكتنظيم وكخلايا فاعلة، موجودة في الأردن، وان الزرقاوي الذي بات ختماً مطاطياً لأجهزة مخابرات أكثر من دولة غدا يعتمد وبشكل كامل على تنظيم: «القاعدة في بلاد الرافدين لضرب الأردن والوصول الى الأهداف الأردنية».

والمتوقع حتى بعد الضربتين المميتتين اللتين تلقاهما الزرقاوي و«قاعدته» أولاً في العقبة وثانياً في عمان، بعد القاء القبض على «المرأة المتفجرة»، ان تتجدد محاولات استهداف الأردن وربما بأساليب وأشكال غير الأساليب والأشكال السابقة. ولعل ما يعزز هذا الاحتمال ان المأزومين في بعض دول الجوار يواصلون التهديد أنهم اذا بقوا يتعرضون للضغط الشديد الذي يتعرضون له فإنهم سيغرقون هذه المنطقة كلها في الفوضى والدماء.

لكن المؤكد أن الأردن الذي رفع شعار: «رب ضارة نافعة»، بعد هجمات الفنادق في الاسبوع الماضي، والذي بادر الى تشديد اجراءاته الأمنية بعد هذه الهجمات، لن يكون هدفاً سهلاً على الاطلاق. ومع الاخذ بعين الاعتبار تلك الحكمة القائلة: «جل من لا يسهو» و«لكل جواد كبوة»..!.