مؤتمر القاهرة: العراق بين سيئ الحاضر.. وأسوأ المستقبل

TT

هل يمتلك الأمين العام لجامعة الدول العربية عصا موسى السحرية يشق بها في بحر العراق الهائج طريقا للوفاق بدلا عن الافتراق والوئام عوضا عن الصدام؟

الحقيقة التي لا مراء فيها انه من الصعوبة أن تأتي حسابات البيادر هذه المرة مناقضة لحسابات الحقل الذي امتلأ بالألغام من كل جنس، دون رابط متين ولا شعار أمين، لأنه وحتى الدستور العراقي الذي تم الاستفتاء عليه، ربما كان حجر عثرة لقيام وسقوط كثيرين من العراقيين.

يجيء مؤتمر الوفاق الوطني العراقي كنموذج أولي لمؤتمر المصالحة الكبرى والذي يتوقع عقده أوائل العام القادم، لذا كان من الطبيعي أن يأتي على رأس أعمال لقاء القاهرة تحديد زمان ومكان المؤتمر الأكبر والاتفاق على الجهات التي سيتم دعوتها من أشخاص وأحزاب وقوى سياسية إضافة إلى الاتفاق على الموضوعات التي سيناقشها وتحديد آلية العمل التي سيسير عليها، لكن هذا كله يتوقف على مدى سير أعمال مؤتمر الوفاق وهل سيقدر له أن يكون وبحق «خريطة طريق لعراق ديمقراطي» كما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أثناء لقائه بسنة العراق؟

الواقع يشير إلى أن هناك حالة من الضبابية جهة أجندة مؤتمر القاهرة، ذلك لأنه في حين تصر أطراف عدة منخرطة في العملية السياسية العراقية وفي مقدمتها القوى الشيعية على معرفة بنود وجدول أعمال المؤتمر قبل انعقاده، فان الجامعة العربية ترى إدراج جميع الموضوعات التي يطرحها الفرقاء السياسيون من اجل مناقشتها والاتفاق بعد ذلك على ما يصلح منها للمؤتمر العام.

وهناك كذلك نقاط افتراق تتعلق بالعناصر المشاركة، إذ يتردد في الأروقة أنه سيكون هناك وجود لضباط سابقين من الجيش العراقي أو مندوبين عن بعض الجماعات المسلحة البعيدة عن ايديولوجية القاعدة وتنظيمات أبو مصعب الزرقاوي، وهو ما ألمح إليه بعض القادة العراقيين مثل أيهم السامرائي رئيس تجمع المستقلين العراقيين ووزير الكهرباء السابق.

وهذا ما دعا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية للتأكيد على ضرورة أن تجري الأمور بشفافية وان لا تحدث مفاجآت، وان يكون هناك وضوح بالنسبة للمشاركين، فيما أصرت أطياف عراقية أخرى على أن لا يكون مؤتمر القاهرة منبرا للإرهاب أو لكبار المسؤولين السابقين في نظام صدام.

فهل تقدمت الافتراقات على الاتفاقات في أعمال مؤتمر القاهرة؟

نقول بدون شك ان الاطراف المشاركة إنما تتطلع إلى إدراك مصالحها أولا. ويرى البعض أن الأغلبية التي وافقت على الدستور تريد المؤتمر كغطاء لتمريره والقفز فوق اية تحفظات عليه، سيما جهة هوية العراق ووحدة كيانه السياسي ولتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية للعراق في مسيرة اعادة اعماره ومن ثم توفير غطاء شرعي للانتخابات القادمة والتي ستتبلور عنها حكومة وبرلمان دائمين.

وإذا كانت الجامعة العربية تأمل في إمكانية أن يساعد المؤتمر في رأب الصدع والشقاقات الطائفية في العراق قبل منتصف ديسمبر المقبل، فهل العراق بالفعل مهيأ لعملية الوفاق هذه، أم أن الأمر نوع من جبر المكسور على عجل بما يمكن أن يؤدي إلى مضاعافات في الكسر لا تجدي معها أي جبيرة؟.

الإجابة نحيلها لتقرير الأمم المتحدة الصادر أخيرا حول حقوق الإنسان في العراق، وفيه حذرت من أن العنف والعنف المضاد أديا إلى تدهور العلاقات بين أفراد وجماعات الشعب العراقي عامة، وتحولت إلى حالة من الخوف والعداوة والانتقام. كما أن العمليات العسكرية الأميركية الأخيرة تسببت في نزوح الآلاف من العائلات ومعاناتهم وألحقت آثارا جسيمة بالمدنيين بشكل عام، وأن هناك حاجة عاجلة وملحة لمعالجة الاحتجاز المطول الذي تقوم به القوة متعددة الجنسيات للمواطنين العراقيين تحت دعاوى أسباب أمنية ودون اشراف قضائي.

بعض الوفود المشاركة تحدثت عن طلبات عراقية حقيقية قالت إنها تؤدي إلى الوفاق الحقيقي، وعلى رأسها إيقاف العمليات العسكرية الأميركية وإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين في السجون وانسحاب قوات الاحتلال من المدن العراقية، ووضع جدول زمني لانسحاب القوات متعددة الجنسيات من العراق كليا وبضمانات دولية، وتعويض المتضررين في المناطق التي تعرضت لعمليات عسكرية وإعادة اعمار العراق بأيد عراقية، أضف إلى ذلك وقف التدخل الإيراني المستمر في الشؤون العراقية الداخلية وحل الميليشيات المسلحة للأحزاب.

مما لا شك فيه أن الحضور الأميركي في العراق كقوة احتلال يلقي بظلاله على أعمال مؤتمر القاهرة، وغير خاف عن الأنظار الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس إلى العراق الأسبوع الماضي ومناوراتها مع أهل السنة هناك، من اجل إنجاح وتطوير مبادرة جامعة الجامعة العربية والتي تعول عليها واشنطن كثيرا.

ومن هنا تنبع مخاوف كثيرة أيضا جهة أن تكون الضغوط الأميركية هي الدافع المباشر وراء التعجيل بمؤتمر وفاق القاهرة، لا لخير يرجى منه لأهله، بل لرفع عبء التكاليف البشرية التي تتكبدها القوات المسلحة الأميركية صباح مساء كل يوم. ويرجح هذا الحديث أن واشنطن قد قامت بالفعل بالموافقة على مشاركة الأطراف التي اقترحها عمرو موسى، ولا سيما بعض الأطراف التي لم توافق عليها بعض القوى المشاركة في الحكومة العراقية.

والشاهد أن ما تقدم يقودنا ولا شك إلى مشهد محبط مسبقا قوامه جدل بين ما يطلق عليهSTATUS QUO و PRO QUO أي الوضع القائم والوضع القادم، بين الشعارات المرفوعة من أصحاب النفوذ والسلطة داخل العراق الممزق اليوم، وبين الوقائع والأحداث اليومية التي تذهب في اتجاه مغاير... فماذا حال تجلي ذلك الجدل في أعمال مؤتمر القاهرة؟

ويبقى السؤال هنا: هل يمكن أن ينجح لقاء القاهرة؟

نقول ان ذلك وارد، ولكن تحت شروط أهمها أن يصل إلى قرارات حازمة صارمة جهة المصالحة، ووضع آليات لتنفيذها من خلال دور فاعل للأمم المتحدة ودول الجوار المعنية، وقبل هذه بلورة موقف تجاه الاحتلال حجر الزاوية وأصل المشكل، أما ما خلا ذلك فسيتم النظر لهذا المؤتمر على انه كان معبرا للانتخابات القادمة ولتكريس الطائفية، وهو ما سيؤدي إلى إعلان وفاة المؤتمر الأكبر للمصالحة، قبل انعقاده، وليبقى العراق قنبلة موقوتة تهدد بالأسوأ الذي لم يأت بعد.

* كاتب مصري