سور الحوامل

TT

هناك مثل عربي مشهور يقول: «من ترك المشي، المشي يتركه» ـ أي انك إذا ظللت التي تدجن وتنام على بيضها ولا تتحرك، ستتحول في النهاية إلى دجاجة آدمية.. وقبل أكثر من 2000 سنة نصح أبو الطب الإغريقي أبو قراط بمزاولة المشي كأساس لحياة سليمة.

وهذا ما أحاوله أنا ولكن على (حبه ونص).. ولقد انتشرت رياضة المشي في المدة الأخيرة، سواء في الشوارع، أو في النوادي والمنازل على الأجهزة المتحركة.. وهناك مضمار في مدينة جدة يمتد على سور طويل، وأطلقوا عليه مسمى (سور الحوامل)، وفعلاً تتسابق النساء الحوامل على المشي حوله غير مكترثات لا بالحر ولا بالعباءات ولا بما في بطونهن، وكأن كل واحدة منهن تطمع بالحصول على الميدالية الذهبية (بالتفحيط)، وفي بعض الأحيان اذهب إلى هناك ليس من اجل المشي طبعاً، ولكن من اجل الفرجة فقط على عجائب مخلوقات الله.

تصوروا أن في انجلترا وويلز واسكتلندا أكثر من 193 ألف كيلومتر ممرات للمشاة والجياد والدراجات، وهناك ما لا يقل عن سبعمائة نادٍ للمشي، وبلغ عدد المنتسبين لأحد النوادي 25 الفاً وقد حطم الرقم القياسي رجل اسمه (توم بنسون)، فقد مشى بلا توقف في عام 1986 وأدهش العالم حين قطع 667 كيلومتراً في 157 ساعة.. غير أن ما هو أدهى من ذلك رجل يقال له (جورج ميغان) عندما سجل الرقم القياسي في المشي لأطول المسافات، فقد سار 30608 أميال وليس كيلومتراً، وذلك من أقصى أميركا الجنوبية إلى الاسكا الشمالية، واستمرت رحلته ست سنوات وتسعة اشهر.

واعرف رجلاً سبق ان تحدثت عنه، وهو يهوى المشي إلى درجة (الطفش) ممن يرافقه، فهو يمشي في الشارع، وإذا دخل مكتبه اخذ يقرأ الأوراق ويصدر التعليمات ويتكلم بالهاتف ويشرب (الشاهي) ويتحدث مع مراجعيه وهو يسير ويلف حول طاولة مكتبه، حتى في منزله لا يتوقف عن الحركة، واعتقد انه في سريره أيضاً كذلك ـ والله اعلم ـ

هذا الرجل ذهب قبل سنوات إلى اليابان في رحلة عمل، وخرج من الفندق يريد أن يمارس عادته في المشي، وفعلاً انطلق على غير هدى، من شارع إلى شارع إلى شارع، وبعد عدة ساعات قرر أن يعود إلى فندقه غير انه تاه عنه، واكتشف انه لا يحمل خريطة، فما كان منه إلاّ أن يستقل سيارة تاكسي مضطراً، وعندما ركب خاطب السائق بالإنجليزية ليوصله إلى فندقه، غير أن السائق لم يفهم، وحاول مراراً وهو ينطق له اسم الفندق غير أن السائق لم يستوعب على الإطلاق، وبعد عدة دقائق وهما واقفان على تلك الحالة، تذكر انه يوجد في جيبه علبة (كبريت) مكتوب عليها اسم الفندق، فأخرجها له، وعندما رآها السائق هز رأسه مبتسماً، فتنفس أخونا بالله الصعداء، وتحرك السائق بالسيارة، وبعد ما لا يقل عن نصف ساعة وإذا به يتوقف أمام مصنع لتصنيع الكباريت، وينزل من السيارة ويفتح له الباب بكل أدب مع انحناءة صغيرة، وكأنه يقول له: تفضل لقد شرفت.

وهذه واحدة من حسنات المشي.

[email protected]