الأسباب لم تتضح بعد !

TT

في سياق قضية مجموعة الشباب التي تحرشت بفتاتين في نفق النهضة بالرياض، طالب مصدر أمني مطلع عبر ملحق «المحليات» بهذه الصحيفة عدد الأحد 20/11/2005 وسائل الإعلام بعدم التركيز وتسليط الضوء على قضية واحدة، وتجاهل دراسة الأسباب والظروف التي أدت إلى تضاعف معدلات الجريمة الأخلاقية في المجتمع السعودي عاما بعد عام إلى جانب التطور النوعي لها. وقد أعجبني كلام المسؤول هذا خاصة من حيث إقراره بارتفاع معدلات الجريمة الأخلاقية وتطورها النوعي، والدور الذي ينبغي أن تلعبه وسائل الإعلام.. وليسمح لي ذلك المسؤول الذي لم تذكر الصحيفة اسمه أن أحمل بعض الجهات الأمنية مسؤولية التعثر الإعلامي، وإقصاء الصحافة من أن تلعب دورا إيجابيا في معالجة القضايا المتصلة بالجريمة، لأن تلك الجهات الأمنية لا تمكن الصحافة من المعلومة الكاملة، وبالتالي فإن الأخبار الصحافية المتصلة بالجريمة غالبا ما تكون مبتورة وغير مكتملة وذات نهايات مفتوحة.

واستشهد هنا بحادثتين كانت مدينة جدة مسرحا لهما، ففي يوم الاثنين 17/1/ 2005 نشرت صحيفة «عكاظ» السعودية خبرا يشير إلى أن طفلة اسمها همسة «3 سنوات» قد اختطفت أثناء وجودها مع والدتها في أحد مشاغل الخياطة، وكيف أن شرطة جدة قد استطاعت العثور على الطفلة بعد تسع ساعات من اختطافها، وقد أشار الخبر إلى أن أسباب الاختطاف لم تتضح بعد، يومها كتبت مطالبا مدير شرطة جدة بضرورة إعلان الأسباب فور التوصل إليها لمنع الشائعات من التضخم أو الانحراف بالمعلومة عن حقيقتها، ولكيلا تلف هذه الحادثة نفس الضبابية التي لفت حادثة مشابهة أخرى وقعت في منتصف عقد التسعينات تقريبا، حيث قامت امرأة وافدة بخطف ثلاثة أطفال لأكثر من شهرين، سادت خلالها المدينة الكثير من المخاوف والشائعات التي صنعت من الحبة قبة، وضخمت العدد حتى غدا ـ في الشائعة ـ عشرات الأطفال، وحينما ألقت الشرطة القبض على خاطفة الأطفال الثلاثة وأعادتهم إلى ذويهم، صرح المسؤول في الشرطة آنذاك بأن «أسباب الاختطاف لم تتضح بعد»، واليوم رغم مرور نحو عقد على تلك الحادثة لم يقل لنا أحد من المسؤولين في شرطة جدة عن الاسباب التي دعت تلك الخاطفة إلى القيام بذلك الفعل الإجرامي الشنيع، وظل المجتمع في غياب المعلومة الرسمية الدقيقة عن دوافع تلك الجريمة يصنع حكايات من نسج الخيال، ويلوك الكثير من الاسئلة المفتوحة مثل: هل كان الاختطاف بغرض التسول؟ أم بسبب ضغط أمومة منحرفة هدفت إلى تبني أولئك الاطفال؟ أم بغرض ابتزاز أسرهم؟

والخلاصة: إن أسوأ ما في الخبر الإعلامي المتصل بالجريمة أن لا يأتي مكتملا، فغياب الخبر في الكثير من الأحيان أفضل من ظهوره ناقصا خشية أن تكمله بعض الخيالات المريضة على نحو لا يتفق مع واقعه.

[email protected]