«قصف الجزيرة».. نكتة سخيفة

TT

مع نهاية العام أستطيع أن أقول، إن قصة ضرب الأميركيين لقناة «الجزيرة»، هي أسخف نكات السنة. فالأمر لا يستقيم إطلاقا، وإن قالها الرئيس الأميركي، وأنا أستخدم هذه العبارة فقط، لذر الرماد في العيون، لأنها لا تعدو أن تكون نكتة بين بوش وبلير، مثل تعليق رونالد ريجان الساخر في خطابه الإذاعي الأسبوعي، حين لم يكن يعلم أن المايكروفون مفتوح على الهواء وقال: لقد أعطيت الأوامر لتدمير الاتحاد السوفياتي. والشعوب الواعية ما زالت تتذكرها من باب النكات السخيفة، على عكس عالمنا العربي.

وبالطبع لا يزعجني ما تقوله قناة أبو عدس، بل ما يردده من يصدقون ما يريدون تصديقه، عندما يحاولون إقناعنا بحقيقة القصة، مستدلين بضرب الأميركيين للتلفزيون الصربي. فهل قناة قطر، هي تلفزيون ميلوشوفيتش؟ بالطبع لا. فميلوشوفيتش كان في حرب مع الأميركيين، بينما في الدوحة هناك قاعدة العديد، التي منها انطلق إسقاط نظام صدام حسين، ومن أرضها انطلق الأميركيون ليحتلوا العراق.

فإذا أراد أهل واشنطن إسكات قناة «الجزيرة»، فكل ما يحتاجونه هو إرسال جندي يقطع الشارع الخلفي للعديد، ليقول لهم عبارة الدكتور مأمون فندي الشهيرة «حوش العيال بتوعك»! ولأن المحزن ليس ما تقوله «الجزيرة» بل ما ينطلي على عقول البعض منا، حينما يعمدون إلى تذكيرنا بمقتل الصحافي طارق أيوب، فهل يعلم قراؤنا الكرام أن كل هذه الضوضاء والجلبة، التي تحدثها قناة أبو عدس، ما هي إلا عن قتيلين فقط، منذ سقوط نظام الطاغية صدام حسين! بينما قتلى قناة «العربية» وحدها سبعة، وقتلى قناة «العراقية» خمسة. فأي كذب واحتيال أكثر من ذلك؟

أليست «الجزيرة» هي التي تسلّم الأميركيين أشرطة قيادات «القاعدة» قبل بثها، وباعتراف الخارجية الأميركية وصمت القطريين؟ فلماذا تحتاج واشنطن إلى قصف قناة تمول بالكامل من حكومة قطر؟

ولا أعلم أين كان الأميركيون سيقصفون الجزيرة؟ في قطر مثلا؟ أم في الفلوجة؟ فعلى حد علمنا أنهم لم يكونوا موجودين في الفلوجة، فما يسمونه بالمقاومة كان يكفيهم عناء المشقة، حيث يصورون ويرسلون لهم الأشرطة إلا إذا كانت جماعة الزرقاوي ضمن الفريق العامل، فهذا أمر آخر!

هذه النكتة السخيفة عن قصف مكتب «الجزيرة»، لا تقل عن كذبة ضرب مكتب قناة قطر في أفغانستان، إبان الحرب على نظام طالبان، وهنا لا أقول ما سمعته من مصادر غربية أو خلافه، بل إنني أجريت حوارا صحافيا مع تيسير علوني، قبل أن يسجن في أسبانيا، على خلفية علاقته بتنظيم «القاعدة»، وكان حينها يتحدث معي من الدوحة في قطر. قال لي علوني يومها، وهذا موثق، لم تضرب مكاتبنا في كابل، بل إن مكتبنا، في ذلك الوقت، على أفضل حال. الحقيقة أن من يريد الشهرة، من الأسهل له أن يصعد ضد الأميركيين، وإلا لماذا لم تصعد فضائية قطر ضد من ركلوا مذيعها في مصر، قبل أيام من الخلف والأمام، على حد تعبيره؟

[email protected]