بوش : رجل دين أم سياسي؟

TT

حدثان يستحقان التوقف، وهما جولة بوش الآسيوية، وترحيبه بموسم العطلة في البيت الأبيض الأسبوع الحالي. ويساعد كلا الحدثين على إضاءة الدور المتعزز الذي يلعبه الدين في القضايا السياسية للبلاد في ظل إدارته.

ولم تقل الجولة التي واجهت رفضا شديدا الكثير بشأن آسيا ولكنها قالت الكثير بشأن بوش. وكان الدين والديمقراطية في أولويات اجندته هناك. وكان تسليط الضوء على ما اصبح مسعى دؤوبا لعكس توجه علمانية السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكذلك الجوانب الأخرى للحياة القومية.

والاعلان الذي اصدره بوش بشأن عيد الشكر السنوي اجتذب التعهدات الأميركية التي تتسم بالمفارقة في مراقبة الحرية الدينية للجميع، بينما يبقى الأميركيون يعيشون كأمة واحدة في رعاية الله. وفي نسخته من وثيقة الطقوس التي أعدت على يد المؤسسين الأوائل طلب بوش من الرب «أن يحمي أميركا».

وبدا أكثر ارتياحا من معظم أسلافه في التأكيد العلني لتعهداته بشأن الدين والديمقراطية، وهما الموضوعان الكبيران، والقوتان الدافعتان، لفترة رئاسته. وهما العنصران اللذان لا يمكن التقليل من اهميتهما في الحكم بالنسبة لبوش داخل بلاده وخارجها. وقد يرى العلمانيون الأميركيون وغيرهم الخطر في هذا التجاور، ولكن بوش ينظر اليهما باعتبارهما الحل.

ولم يجعل الرئيس جولته غير التقليدية الى الصين تدور حول التعاون الاقتصادي مع القوة الصناعية الأسرع صعودا في العالم. ولم يسع الى اقتراح حوار استراتيجي.

وبدلا من ذلك كان تركيز بوش ينصب على الحرية الدينية والسياسية. ولم يشعر القادة الشيوعيون الصينيون بالارتياح لتلك الطريقة، فقد اعتقلوا معارضين انتقاما، ولكنه تعين عليهم الترحيب ببوش على نحو لائق أمام شعبهم، حتى وهم يشعرون بالاستياء من ممارسته علنا الشعائر الدينية مع المسيحيين الصينيين.

وبالنسبة لبوش فان الرحلة التي رفضها واقعيو السياسة، باعتبارها تؤدي الى نتائج معاكسة، ربما كانت تستحق تلك اللحظات والصور الفوتوغرافية له بين الصينيين المتدينين، في بلد قام بقتل وطرد طائفته الكاثوليكية التي كانت قوية بعد ثورة 1949 .

كما تعين على بكين أن تتحمل لقاء بوش مع الدالاي لاما، زعيم التيبيت الروحي المنفي، عشية جولة الرئيس الآسيوية، وإقرار بوش لديمقراطية تايوان الحية المأخوذة من المعقل الديمقراطي لليابان.

اضطهاد الكاثوليك في الصين وشرق اوروبا جعل من تأييد المسيحية سلاحا علنيا في الاستراتيجية الغربية في بداية حقبة الحرب الباردة. اهتمام جون كينيدي بفيتنام الجنوبية أجَّجه من ناحية فرار الكاثوليك من الشمال، واحتياجات الحكومة المحاصرة التي ترأسها الكاثوليك في الجنوب.

دور الدين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأوروبا تلاشى مع نهاية الامبراطورية السوفياتية والحرب الباردة، وحتى في ظل صعود الاسلام كمحرك للنتائج العكسية في مواجهة التحديث في العالم الاسلامي وأماكن اخرى.

غالبا ما يتجاهل المراقبون في تحليلاتهم حقيقة ان الانسجام النسبي والفعالية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال الشهور العشرة الاولى من فترة عمل كوندوليزا رايس، نابعان من نزعتهما الدينية المسيحية العميقة. فكوندوليزا رايس لا تعكس فقط الجانب السياسي للرئيس بوش، وإنما تعكس ايضا معتقداته العميقة، وهذا ربما يجعلها الخيار المفضل للرئيس بوش على بقية مساعديه، في تنفيذ السياسات القائمة على اساس له صلة بالجانب الديني.

غالبية التأييد الذي يحظى به بوش نابع من ائتلاف للمحافظين الذين عادة ما يربطون السياسة بالجانب الديني، الى جانب أنصار الديمقراطية الذين يتفقون معه في تطبيق الديمقراطية في العراق وأوكرانيا والصين ودول اخرى، وتشير جولة بوش الآسيوية الى ان قلبه وعقله مع هذا الائتلاف الرئيسي، اما الجمهوريون الذين يحاولون حثه على الاعتماد على قاعدة وأجندة واسعتين بغرض إنقاذ رئاسته المتداعية، فإنهم يسبحون عكس التيار.

تستحق الصين الانتقادات الصريحة التي تضمنها حديث بوش حول الحريات الدينية، إلا ان بوش في حاجة على الصعيد المحلي هنا، الى التأكيد على ان بوسعه جعل الدين قوة للتغيير من دون استخدامه كأداة للحكم.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الاوسط»