ذكريات فلان مع فلان

TT

أينما سار المرء في المدن الكبيرة والصغيرة، أو الشوارع الطويلة والأزقة الملتوية القصيرة، في مختلف أنحاء العالم تقريباً، يشاهد المرء ما يصدم عينه من الكتابات والرسومات الشوهاء وبمختلف الأحجام والألوان لشباب عابث وكأن هدفه التخريب لا أكثر ولا اقل.. وتلك الكتابات والرسومات هي الأقل فيما هو أدهى، إذ ان العبث وصل حتى إلى تحطيم بعض المواقع لأخذ عينة منها كتذكار، وهذا ما يفعله بعض السياح الذين لا يقدرون المسؤولية، وبعضهم يحفرون أسماءهم (غير الخالدة) على جدار تعب الفنان القديم في زخرفته، وأشد ما آلمني عندما شاهدت قدم تمثال (ديفيد) في فلورنسا وقد صبغوا أظفاره باللون الأحمر وكأنه (مونكير)، فتنهدت لا شعوريا قائلاً: اينك يا مايكل أنجلو؟!

إن السياحة أصبحت علماً وفناً واقتصاداً ودعاية وتلاحماً وتفاهماً بين الشعوب، فلا يجوز أن تشوه أحد معطياتها الأيادي الهمجية.

ولا أنسى حينما ذهبت زائراً إلى مدائن صالح بالسعودية، عندما لم أشاهد أي نصب، أو مجسم لأي كائن، أو حتى أي زخرفة بارزة إلا وهي محطمة شر تحطيم، تصوروا هذه الآثار التي صمدت آلاف الأعوام، تحطمت خلال اقل من مائة عام من الآن، وذلك عندما عرف سكان هذه المناطق السلاح الناري من مسدسات وبنادق، فكانوا يتراهنون على إصابة الهدف في تلك الآثار الجميلة، وما بقي منها أو نسوه أكمل عليه من المتطوعين الذين يكادون يحرمون من أي جمال.

وما يسري على مدائن صالح يسري كذلك على منطقة البتراء بالأردن، التي لا اعتقد أن هناك منطقة في العالم تضاهي روعتها وخصوصيتها، وللألم لا للأسف أن أيدي العابثين الرعاع حطمت بدون أي تفكير أو حتى أي فائدة تلك الأعمال التي لن تتكرر.

حتى غار حراء، ذلك المكان الطاهر الذي أول ما نزل فيه الوحي على خير الأنام، لم يسلم من العبث المقيت، فكتب احدهم بالخط العريض على حجر من أحجاره: هنا غار حراء، وكأن الناس لا يعرفون أين هو الغار؟! والوحيد الذي يعرفه فقط هو ذلك الفصيح، فأراد أن يقدم للناس معروفا ويدلهم عليه، كما كتبت على بقية الصخور كلها: آيات، وكلمات، وأسماء بعضها كان على شاكلة: (ذكريات فلان مع فلان).. دون تقدير لذلك المكان الذي ليس فيه بالأصل أي عمل فني، وهو مكان طبيعي مجرد من كل مظهر، ويجب أن يكون كذلك.

ولو أردت أن اضرب مثلاً بشاب عابث، فلا أجد أكثر من صديق لم يعد الآن صديقي، رافقته في رحلة، وسكنت معه في فندق واحد، وكانت هوايته أننا عندما نكون عائدين للفندق، خصوصاً في ساعة متأخرة من الليل، اخذ يبدل جميع الكروت الموضوعة على أبواب الغرف، فالتي عليها ممنوع الإزعاج يبدلها بطلب تنظيف الغرفة، والعكس صحيح، وإذا وجد أحذية في الخارج من أجل دهنها بوية اخذ فردة وترك الأخرى، وعندما أنبته على ذلك قال لي: ديرة ما تنعرف فيها (......) فيها، أما القشة التي قصمت ظهري وبعدها تركته، فهي عندما شاهدته يشتري مجموعة من بخاخات (السبري) الملونة، يريد أن يكتب بها على جدران بعض الشوارع عباراته السوقية التي يبرع فيها.

[email protected]