نعيق الغراب كهديل الحمام: لغة!

TT

لم أجد صوت الغراب قبيحا. إنه صوت غليظ ولكن ليس مزعجا. صحيح انه يخطف الأشياء من الناس ومن الطيور الأخرى. مرة واحدة أزعجني عندما مات أحدها فجاءت للعزاء غربان كثيرة. ولها صوت جنائزي شنيع. ولكن بعد هذه الوفاة سمعتها كثيرا ولم أضق ولا تطيرت، فنعيق الغراب مثل هديل الحمام: لغة!

وعرفت فيما بعد لماذا أطلق سيدنا نوح غرابا ليعرف إن كانت الأرض قريبة. والأرض القريبة كانت منطقة جبل أرارات على الحدود بين تركيا وأرمينيا.

والجبل هناك اسمه (جودي).. والقرآن الكريم يقول: «واستقرت على الجودي».

وقيل بعدا للقوم الكافرين..

أما سبب اختيار الغراب فنوح قد نقل معه في السفينة سبعة أزواج من كل الطيور الحلال. ومن الطيور النجسة ذكرا وأنثى أي من الغربان، وقد حرم الرب على كل الحيوانات أية علاقة جنسية على ظهر السفينة. أما الغراب قد عصى ربه . فأرسله نوح وإذا ذهب ولم يعد فلن تنقرض الغربان. فأنثاه بها بيضة ملقحة.

ويقال إن الحاخامين كانوا يستخدمون الغراب في معرفة الطالع.. فمن حركة الغراب أو الغربان ذهابا وإيابا يعرفون المستقبل. وغراب نوح قد ذهب وعاد، وذهب وعاد، وليس في منقاره أو مخالبه ما يدل على انه هبط أرضا وآتى بأي اثر لها. ولذلك أطلق نوح حمامة.. ولا خوف عليها إن ذهبت ولم تعد فهناك ذكور وإناث من الحمام فلن تنقرض.

وفي الأمثال الشعبية: غراب البين.. أي أن الغراب رمز للمصائب.. وهناك تعبير في اللهجة المصرية معناه أن الصوت جميل والوجه قبيح: الصوت كروان والوجه غراب نوح ـ وربما انطبقت على أكثر المطربات والمطربين. فمعظم صاحبات الأصوات الجميلة لسن جميلات. كأن القاعدة انه إذا كان الصوت جميلا، فليس من الضروري أن يكون الوجه أيضا. ولحسن حظ الغناء والطرب ألا تكون أم كلثوم وفيروز وفايزة أحمد وسعاد محمد في جمال هيفاء وهبي، وألا يكون عبد الحليم وعبد المطلب ومحمد رشدي ومحمد قنديل في جمال حسين فهمي. وقد رأيت وسمعت في الخمسينات مطربة من بيرو اسمها (أيما سوماك) ـ لا أطول ولا أروع ولا أقوى من صوتها إلا جمالها. فالتقطها أصحاب الملايين واختفت تربي أطفالها وتسهر حتى الصباح. لقد كان صوت أيما سوماك عجيبا بين الأصوات. وقد سمعت لها اسطوانة تقلد فيها العواصف والأعاصير والموج والتسونامي. لقد بلغ ارتفاع صوتها ستة مقامات. وهذه فلتة تاريخية!

وكانت أعظم تحية وجهت إلى الفنان الإغريقي زويكس أن جاءت الغربان تخطف العنب من إحدى لوحاته، لقد رأى الفنان انه استطاع أن يصور العنب حتى اختلط الأمر على الغربان.

وظل الفنان زويكس سعيدا يشرب ويترنح حتى مات.. وقامت الغربان بالنعيق ذهابا وإيابا في اشهر جنازة تاريخية!