وبالشكر تدوم النعم

TT

هنيئا للبنان بمزارع شبعا تعود إليه من بوابة برشلونة، بعد أن غادرته من بوابة دمشق.. ولافت أن تفصل أيام قليلة فقط بين قرار رئيس الحكومة السورية ناجي العطري، استثناء مزارع شبعا من مشروع الترسيم المقترح للحدود اللبنانية ـ السورية المشتركة، وبالتالي ترك تحديد هويتها الى ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من المنطقة، وقرار وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في برشلونة، «إعادة» المزارع الى لبنان بعد لقاء وصف «بالودي» مع رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، يفترض أن يكون تخلله عتاب أخوي بين مسؤولي البلدين الشقيقين.

ربما أعاد «صابون القلوب»(العتاب)، الهوية اللبنانية الى مزارع شبعا، بعد أن نزعها عنها الغضب السوري الرسمي على حكومة السنيورة. ولكن هل يعني تأكيد الشرع للبنانية المزارع، أن الحكومة السورية، باتت تقبل بادراج المنطقة في مشروع إعادة الترسيم المقترح للحدود السورية اللبنانية؟

المؤسف أن سيناريو التقلبات الأخيرة في الموقف السوري من مزارع شبعا، يوحي بأن الموقف الرسمي من هوية المزارع بات رهن العلاقة اللبنانية ـ السورية في وقت تحولت فيه هذه العلاقة، من علاقة استراتيجية ثابتة، الى علاقة مزاجية متغيرة، والأهم من ذلك في وقت يتعرض فيه حزب الله ـ حليف دمشق الاساسي في لبنان ـ لضغوط دولية ومحلية تنكر عليه حق مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للمزارع، انطلاقا من اعتبارها ارضا سورية لا لبنانية، حسب ترسيم الأمم المتحدة «للخط الأزرق» في جنوب لبنان.

من الآن، وإلى أن يصدرالتقريرالنهائي للمحقق الدولي ديتليف ميليس عن جريمة اغتيال رفيق الحريري، يصعب توقع انحسار المزاجية عن مواقف دمشق الرسمية حيال لبنان. مع ذلك، قد ينفع التذكير بأن تحديد سورية لهوية مزارع شبعا لا يزال «كلاما بكلام»، فبعد تبني مجلس الأمن في 29 يناير(كانون الثاني) الماضي، وبالاجماع، قرارا يؤكد فيه ان المزارع «ليست جزءا من لبنان»، أصبح أي تثبيت رسمي للبنانية المزارع، مرهونا باتفاقية حدود توقعها حكومتا لبنان وسورية، ويصادق عليها برلمانا الدولتين، وتودع، لاحقا، لدى الأمين العام للأمم المتحدة.. عندئذ يمكن الجزم بلبنانية مزارع شبعا وبموقف سوري نهائي منها.

من الواجب، طبعا، شكر وزير الخارجية السوري على «سخائه الشفهي»، في رد مزارع شبعا الى لبنان. ولكن ما كان اللبنانيون يفضلون سماعه، هو اعلانه عن استعداد سورية لاتخاذ كامل الاجراءات الدستورية، لتثبيت ملكية لبنان للمزارع، واستعدادها لإبلاغ الأمم المتحدة، خطيا، بـ«تنازلها» عنها للبنان.

ولكن في وقت ترافقت فيه ذكرى استقلال لبنان مع دعوة سورية من قبل كل من رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق السنيورة، ورئيس تكتل «اللقاء الديمقراطي»، وليد جنبلاط، لأن «تعتاد» على فكرة وجود لبنان مستقل في جوارها، يجوز التساؤل: هل يمكن لدولة لم تتجاوز بعد عقدة «الأقضية الأربع» (التي سلخها الانتداب الفرنسي من سورية، وضمها الى «لبنان الكبير»)، أن تضيف اليها عقدة جديدة اسمها مزارع شبعا؟

يصعب على أي دراسة تاريخية وسياسية جدية لخلفية المواقف السورية من لبنان، منذ إنشاء دولة لبنان الكبير عام 1920 حتى اليوم، أن تتجاهل تأثير عقدة الأقضية الاربع على دبلوماسية دمشق حيال بيروت.

وعلى هذا الصعيد، قد لا يكون موقف أي نظام سوري من لبنان مختلفا عن موقف أي نظام عراقي من الكويت («القضاء السليب» بالنسبة لعبد الكريم قاسم و«المحافظة التاسعة عشرة» بالنسبة لصدام حسين).

إلا أن المفارقة تبقى في أن الدولتين العربيتين الأكثر حنينا الى الجزئيات الجغرافية الطفيفة، بين حدود عربية وحدود أخرى عربية أيضا.. هما الدولتان الأكثرالتزاما بشعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة».