الإخوان في البرلمان (3 ـ 3)

TT

تجارب الآخرين هي التي تستحق أن تقرأها جماعة الإخوان المسلمين المصرية في التعاطي مع المستجدات، فمن يده في الماء ليس كمن يده في النار، ومن يمارس المعارضة والتنظير ليس كمن يجد نفسه في موقع المسؤولية، حتى لو كانت هذه المسؤولية هي مجرد كتلة برلمانية نشطة.

في السودان جاء حسن الترابي وحزبه، ورغم القدرة التنظيرية الهائلة للجماعة وزعيمها ورغم الوعود التي قطعوها بالسير في طريق التنمية والحريات فقد تحول السودان في ظل ذلك النظام إلى نموذج للفساد والاهتراء، وتدهورت قضية الحريات العامة وتم التعامل مع الرأي الآخر بقسوة غير مسبوقة، ونجح حسن الترابي بتفوق في تخريب علاقات السودان الدولية والإقليمية، وكان التصعيد مع الجار الأكبر مصر، هو أحد نماذج تلك السياسة.

في الجزائر نجح الإسلاميون في الانتخابات وأجهض الجيش التجربة الوليدة، وإن كنا نحمل المؤسسة العسكرية الجزائرية مسؤولية الانقضاض على نتائج الانتخابات، وإن كنا على ثقة لو أن الإسلاميين أعطوا فرصتهم لكان أداؤهم أكثر تواضعا مما يعتقد الكثيرون، ولكن يجب أن تتحمل قيادات نافذة في الجماعة مسؤولية التصعيد عبر تلك الخطب الاستفزازية التي تقول إن الانتخابات والديمقراطية هي جسر عبرناه وأن التمسك بالسلطة بأي ثمن هو الهدف بعد «انتصار الإسلام»!! تجربة تركيا تستحق قراءة متأنية، فقد استطاع الإسلاميون تقديم أنفسهم للمجتمع بشكل عقلاني، وضمن برنامج مدني أعلنوا فيه احترامهم للدولة العلمانية وللقانون، بل أعلنوا رغبتهم في دخول تركيا للسوق الأوروبي بدون أن تشغلهم قضية الهوية، وحتى معارك مثل الحجاب تعمدوا عدم خوضها وعدم تصعيدها، ولم يستمروا في السلوك نفسه الذي تمارسه جماعات إسلامية عديدة التي تخوض معارك صغيرة لدغدغة عواطف الناس. فخاضوا معركة ضد الفساد بمفهوم متقدم، فلم تكن قضية الفساد عندهم هي صوت المرأة، أو الموسيقى، بل سرقة المال العام، ولم يطرحوا قضية إلغاء الآخرين، وهذا ما دفع إلى اطمئنان العسكر، واطمئنان قوى المجتمع المدني. نعرف أن التاريخ لا يكرر نفسه، ونعلم الفارق الكبير بين فكر متقدم وبين فكر الدراويش، ولكننا على ثقة أن الإخوان المسلمين المصريين أصبحوا اليوم تحت الشمس وفي الفضاء، ولم يعودوا داخل سراديب مظلمة، وهي مسألة تتطلب استحقاقات كثيرة لا بد من متابعتها.