كيف تستثمر إيران الخلاف الأميركي ـ الروسي؟

TT

عرضت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني في نشرتها الاخبارية مساء الاثنين الماضي فيلماً يتم تداوله سراً في ايران، يظهر فيه الرئيس محمود احمدي نجاد في زيارة لأحد آيات الله، يروي له ما جرى أثناء القاء خطابه في الامم المتحدة في شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، روى احمدي نجاد، كيف ان هالة من النور احاطت به طوال 27 الى 28 دقيقة مدة وقوفه على منبر الامم المتحدة، وكيف ان الوفود في القاعة تسمرت ولم يرف لها جفن وهي تستمع اليه!

من المحتمل ان يبدأ توجه الصحافة الاوروبية وربما الاميركية الى طهران هذه الايام، مع قرب اجراء الانتخابات العراقية وقرب البدء بالانسحابات الاميركية.

ثلاثة امور لافتة حدثت في الايام الاخيرة: اعلان السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد، ان حكومته كلفته اجراء اتصال مع السلطة الايرانية. نشرت صحيفة معاريف في الاول من الشهر الجاري تصريحاً لمصدر أمني، بأنه يجب الاستعداد للعيش مع ايران النووية اذ «لا استطيع ان ارى اي قوة في العالم قادرة على قلب هذا الواقع». وتأكيد وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف توقيع صفقة الصواريخ مع طهران.

بالنسبة الى زلماي خليل زاد، ليس بجديد عليه عقد الاتفاقات مع ايران، فهو توصل مع المسؤولين الايرانيين، خصوصا في مؤتمر بون عام 2001 الى اتفاق حول نوع الحكم الذي سيلي طالبان في كابول، والولايات المتحدة تفكر حالياً في استراتيجيتي خروج، واحدة من العراق، واخرى من افغانستان، وتعرف واشنطن، ان المشاعر المعادية لها، ليست موجودة فقط لدى طبقة رجال الدين الحاكمة في ايران، بل ايضاً لدى فئات عريضة من الناس، الذين رغم اعجابهم بقوة اميركا، يرفضون في الوقت نفسه احادية قراراتها وتدخلاتها العسكرية، واسلوبها الانتقائي في الدول التي تريد نشر الديمقراطية فيها. لكن هذا لا يعني ان هذا العداء المستحكم هو لمصلحة ايران الجيو ـ سياسية في الوقت الحاضر، اذ على الرغم من كل شيء فلا ايران ولا غيرها من دول المنطقة قادرة على ملء الفراغ الذي سيخّلفه الانسحاب الاميركي، ومع هذا، فإن احدا لا يمكن ان يغفل ان «العدو الاميركي»، اوصل الد اعداء ايران الى «مزبلة التاريخ» كما يحب ان يردد البعض.

اما اسرائيل، ومع ترداد طهران العداء لتل ابيب، فإن ايران نووية لا تشكل بالضرورة تهديداً لوجود اسرائيل، فالاخيرة تملك اضعاف ما يمكن ان تملكه ايران من قنابل نووية وهي اسرع في نقلها بصواريخ الكروز المحمولة في الغواصات. اما الصواريخ المضادة للصواريخ (عددها 29) التي ستحصل عليها ايران من روسيا، فإنها لن تشّكل تهديداً حاسماً لقدرات اسرائيل او اميركا، انما تدخل في نطاق المناورات الروسية ـ الاميركية، والتي بسبب الاخطاء التي تراكمت منذ انتهاء الحرب الباردة، وما تبعها من عمليات ارهابية وحروب واطاحة انظمة، تصب الآن في المصلحة الايرانية.

في خضّم ما اعتقده المحافظون الجدد في واشنطن، من ان الانتصارات على الابواب، اقدمت واشنطن على نشر الثورات الملونة في اجزاء كثيرة من الاتحاد السوفياتي السابق، بدءاً من ثورة «البرتقال» في اوكرانيا، الى الثورة »الصفراء« في قيرغيزتان. والانظمة الرديئة التي اطاحت بها واشنطن في تلك الجمهوريات، حلت مكانها انظمة رديئة اخرى يضاف اليها عنصر عدم الاستقرار، وكان الحديث بدأ عن امكانية نقل مثل هذه الثورات الى روسيا نفسها على ان تكون انطلاقتها من موسكو العاصمة.

لقد اقلقت هذه التدخلات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتخوف من انتشار عدم الاستقرار على الحدود الروسية، لكن احداً ما كان قادراً على اقناع واشنطن بوقف تدخلاتها غير المدروسة النتائج، واكتشف ان التعاون العسكري الروسي مع ايران يوفر له وسائل المساومة التي يمكن ان يستعملها ضد واشنطن عندما تصر على التدخل في الفلك الروسي. وتنجح ايران، او ان الحظ يحالفها في ان تلعب على الصراع الروسي ـ الاميركي المستمر، يساعدها في ذلك، موقعها الجغرافي وامتلاكها الثروة النفطية.

يقول لي سياسي غربي، ان التمنيات الايجابية سيطرت على المحللين الاميركيين في ما يتعلق باحمدي نجاد، وحتى قبل مجيئه الى السلطة، خصوصاً ان التضخم في ايران يصل الى نسبة 15%، في حين ان نسبة العاطلين عن العمل اعلى من ذلك، لكن ما غاب عن ذهن الجميع ان احمدي نجاد قد يكون حسب، ان لا شيء لديه ليخسره، فوضع النظام الايراني ضعيف، وهو على المدى الطويل ميؤوس منه فعلا، لانه خلال جيلين، فإن نسبة العجائز ستبلغ 30% من نسبة 7% وهي ما عليه الآن، ونسبة الولادات في تراجع، هذه الازمة الديموغرافية ستتزأمن ذروتها مع التراجع الذي سيصيب تصدير النفط الايراني، وكي تنقذ نفسها من هذه الازمة على ايران ان تغامر بكل شيء او لا شيء في هذه المرحلة. من هنا يقول محدثي، تأتي شهوة ايران للاستيلاء على نفط جنوب شرق العراق، والخليج اذا امكن ونفط الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، وبدأت تقترح ان تضم او على الاقل ان تتحّكم في ذلك النفط، علها تنجح.

حسب تخمينات وزارة النفط الايرانية، فإن النفط الايراني متوفر حتى 70 سنة او 80 سنة على الاكثر، في حين ان الغاز قد يتوفر لمدة تصل الى 200 سنة، لكن الاستهلاك الداخلي لهذه المنتجات يتزايد بمعدل 5.2% كل عام، وتجد ايران نفسها مضطّرة الى استيراد النفط المكرر، وقد تجد نفسها مضطرة عام 2020 الى التوقف عن تصدير النفط لاسباب كثيرة، منها النقص في الاستثمارات في صيانة منشآت النفط والغاز، والتقصير في اعادة بناء المنشآت التي دمرتها حربها مع العراق، وسوء الادارة وبسبب المقاطعة الاميركية. وكي تعود ايران الى سابق عهدها في الانتاج (6 ملايين برميل يومياً)، عليها الانتظار حتى عام 2025.

بدأت طهران تسّوق فكرة انبوب نفط ايراني ـ عراقي ـ سوري، وكان رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري بحث هذه الفكرة جدياً مع الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، وجرى بحثها مجدداً ما بين احمدي نجاد والرئيس السوري بشار الاسد خلال زيارة التهنئة التي قام بها الاخير الى طهران، واليوم وقعّت بغداد وطهران العقد على اساس ان يرسل العراق النفط الخام من البصرة لتكريره في عبادان، وبالمقابل تحصل بغداد على مشتقات النفط التي تستوردها حاليا بكلفة 300 مليون دولار شهرياً، ولاحقا سوف تحصل ايران على النفط الخام العراقي في عبادان، وتنقل الكمية نفسها الى العراق عبر مصب النفط في جزيرة خرج.

وعقدت ايران اتفاقيات مماثلة تقريبا مع تركمانستان، وتبحث الامر مع كازاخستان، واضافة الى صفقتها النفطية مع الصين، يمكن ان يبدأ العمل بمد انبوب نفط من ايران الى باكستان والهند في نيسان/ابريل من العام المقبل.

وتعّول ايران كثيراً على الغاز، وحتى الآن فإن تركيا هي المستورد الوحيد للغاز الايراني، وهذا سوف يتغير قريبا، ربما عام 2009 عندما تبدأ ايران بتصدير 300 بليون متر مكعب الى اوروبا، وبدأ الآن العمل في مد انبوب غاز الى اليونان عبر تركيا، وقد تضاعف عدد الزبائن الاوروبيين اذ يمكن لايران تصدير غازها عبر بلغاريا ورومانيا، ولانها لا تريد الاعتماد على تركيا في ايصال غازها الى اوروبا بدأت تفكر في اوكرانيا، حيث اقترحت »كييف« طريقين للغاز الايراني، الاول: ايران ـ ارمينيا ـ جورجيا ـ روسيا ـ اوكرانيا ـ اوروبا، والثاني: ايران ـ ارمينيا ـ جورجيا ـ البحر الاسود ـ اوروبا.

ان التحالف الروسي ـ الايراني يتشعب على اغلب الصعد الحساسة، ويعود الفضل في ذلك الى «بعد» النظر الاميركي،. قالت ايران انها تريد ان تبني عشرين مفاعلا نوويا، وقالت روسيا انها تريد احياء كل عقودها النفطية مع العراق التي الغتها «ادارة بول بريمر». لكن ماذا تقول الدول العربية التي تجري كل هذه التحركات تحت انظارها؟ لقد اعطت واشنطن ايران اكثر ما حلمت به، لذلك على روسيا ان لا تطمئن ابداً.