أكثر من مجرد 26 مليارا

TT

إما أن تقود أو تقاد، هذه حقيقة الادارة في كل يوم، وكل عام، وكل فرد، وكل بلد. لذا جاء الاعلان عن مشروع بناء مدينة صناعية وتجارية وبحرية ضخمة على الشاطئ السعودي من البحر الأحمر نموذجا للقيادة.

مشروع لمستقبل البلاد ضخم في كل جوانبه. رقمه المالي هائل لكن الأهم منه التفكير في المشروع، والعزيمة السياسية على تنفيذه. فالدول تقاس بهمم قادتها وطموحاتهم لا بقدرتهم على البقاء والاستمرار في روتين الحياة، ولحسن الحظ ان طموحاتنا في محلها الطبيعي بعيدا عن التوسع والاحتلال والمواجهات، مع البناء البشري والعمراني لا العسكري والمنافسات الجمالية المزورة.

لهذا نحيي فكرة بناء مدينة صناعية بحجم ينبع الجديدة التي تعتبر امتدادا للافكار الكبيرة مثل مشروع الجبيل الصناعية، وكذلك مشروع شركة الصناعات الاساسية (سابك) التي اصبحت لاعبا دوليا كبيرا. وعندما اعلن عن هذين المشروعين قبل اكثر من عقدين من الزمن كانت محط لامبالاة الجيران الذين انفقوا اموالهم على التحصن العسكري والطموحات السياسية وانتهت بتحطيم هذه البلدان، مثل العراق وايران. بل اذا نظرنا الى القاعدة الاساسية لبلد كالسعودية وهي النفط فانها نتيجة استثمار طموح ضخم جعل التفوق الانتاجي ممكنا وليس فقط الاحتياطي البترولي الضخم.

لهذا يسعدنا ان نرى قادة يبنون اليوم للغد. وعلينا ان نحيي كل من يبني في منطقتنا العربية ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، لا الذين يصدرون زبدا دعائيا سياسيا يذهب جفاء.

ومن يقول ان منطقتنا مليئة بالموارد والناس الطموحين والاحلام الكبيرة فهو صادق لكننا نعاني في كثير من اركان المنطقة من القادة لا يجارون هذه الاحلام والطموحات. بلداننا غنية في امكانياتها ومواطنيها الطموحين لكنها قد تبتلى بقيادات فقيرة في نظرتها وانانية في مشاريعها. تفتقد القيادة التي تنظر الى ما هو ابعد من يومها، والى ما يخدم اجيالها المقبلة، وما ينتج حقائق على الأرض لا دعايات مصورة. وهذا ما يجعل مشروعا كينبع الصناعية نموذجا للطموح المستقبلي، كما اعلن عنه أخيرا. الاستثمارات المخصصة للمشروع تعادل نصف ميزانية الحكومة السعودية، 26 مليار دولار، تمولها من مصادر مختلفة، من عامة الناس الذين سيفتح لهم الباب للاكتتاب، ومن الشركات الكبرى، وكذلك من المؤسسات الحكومية. إنما المال ليس هو القصة بقدر ما هي الفكرة والعزيمة. ماليا نجد مثل هذا الاستثمار وربما اكثر ينفق على بناء عقارات استهلاكية او مضاربات سوقية او مغامرات عسكرية.

مربط الفرس هنا في قيادة البلاد وادارة مستقبل اهلها، في البحث عن تطوير الوضع الحاضر بمشاريع مستقبلية تضع البلد على طريق صناعي وخدمي كبير يجعلها منافسة في السوق العالمية.

[email protected]