تاريخ الدبلوماسية الكروية

TT

توصلت قبل بضعة ايام ـ كعادتي كل بضعة أيام ـ الى اكتشاف سياسي خطير يمكن له ان يغير مجرى التاريخ، وهو ان كل ما نحتاجه لاحلال السلام على الكرة الارضية هو بضع كرات. كل هذه المناقشات العقيمة في الامم المتحدة، ومعاهدات الصداقة والسلام لم تثمر غير العداوة والحروب، ولم يعد لها اي مبرر او لزوم. ما يلزم الدول الكبرى الآن هو ان تعطي الدول الصغرى صندوقا من الكرات تلعب بها وتتبارى بها مع بعضها البعض.

ادركت ذلك بوحي المباراة التي جرت بين فريق برشلونة وفريق السلام من عرب ويهود اسرائيل. اذا كان بامكان العرب واليهود ان يشكلوا فريقا واحدا للكرة فلماذا لا يشكلون دولة واحدة تنتظمهم؟

العقبة هي انهم في مدارسنا يعلموننا تاريخ الحروب والمعارك التي جرت بين الشعوب والامم، ولا يدرسوننا اي شيء عن تاريخ مباريات الكرة العالمية التي جرت، لو فعلوا لوجدنا ان كل هذا السلام والتعاون الجاري حاليا بين الصين وامريكا يعود في الواقع الى مباراة كرة المنضدة التي جرت في الستينات بين لاعبين امريكان وصينيين. سمع الرئيس نكسن ببراعة اللاعبين الصينيين فتوجس خطرا وراء ذلك. بعث اليهم لاعبين امريكان كجزء من الحرب الباردة. ركب نكسن طائرته وهرع الى بكينغ، ولكن الصينيين الماكرين، بدل ان يلعبوا معه كرة المنضدة اقتادوه الى مائدة المفاوضات، حيث وجد وثيقة الاعتراف الرسمي بالصين الشعبية جاهزة امامه باللغتين السكسونية والماندرينية. وفي اطار الروح الرياضية لم يملك الرئيس الامريكي غير ان يوقع على الوثيقة فأصبحت من الاوراق التاريخية لكرة المنضدة.

من اروع منجزات السلام الكروي ما حدث في الحرب العظمى عندما استغل الانجليز والالمان فرصة عيد الكرسمس في جبهة الغلاندرز، فخرجوا من خنادقهم وتباروا في كرة القدم على ارض الحياد. ولما كانت النتيجة متعادلة، فقد اجلوا اللعبة لليوم التالي، ثم اليوم الذي بعده. واستمر الحال على هذا المنوال، حتى سمعت القيادة بهم فجن جنونها وابرقت فورا: «هل ارسلناكم لتلعبوا الكرة مع العدو أم لتقاتلوا وتموتوا من اجل الوطن»؟ وصادرت القيادة الكرة منهم وامرتهم بالهجوم فهجموا فمات اكثرهم.

لم تستطع كرة القدم ان تنهي تلك الحرب الدموية، ولكن كرة التنس انجزت ذلك. كانت بريطانيا تحاول عبثا جر امريكا للاشتراك معها في الحرب. بيد ان لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية ذهب الى واشنطن حاملا معه مضرب تنس. وهناك سلمه للرئيس ولسن ودعاه للعب شوط في كرة التنس. ولكنهما لم ينتهيا من الشوط الاول حتى رمى لويد جورج المضرب من يده وتأوه قائلا: آه كيف نلعب وهؤلاء الالوف من شبابنا يموتون اثناء ذلك في الجبهة الغربية؟ لم يتمالك الرئيس ولسن غير ان يذعن للثعلب الماكر ويعده بارسال الوف الشبان الامريكان ليموتوا جنبا الى جنب مع زملائهم الانجليز والفرنسيين ويقهروا المانيا في الاخير ويجبروها على الاستسلام. ولمن الفضل في ذلك؟ طبعا لكرة التنس. مفيش كلام.

هذا ما على الامم المتحدة ان تفعله. عليها ان تأمر البنك الدولي بتزويد كرات بسائر الاحجام للدول المتخلفة حسما للمنازعات.

www.kishtainiat.com