إيران ودول الخليج... تُرى لماذا يقلق الخليجيون?

TT

انتهت القمة الخليجية المنعقدة في أبوظبي، وخرج البيان الختامي بقرارات وتوصيات تأمل شعوب دول المجلس في ان يُصار الى تفعيلها بجدية وضمن جداول زمنية محددة.

غير ان المفاجأة عدم تضمين البيان الختامي أي اشارة حول السلاح النووي الايراني، لا سيما وقد ظل هذا الموضوع إحدى القضايا المثارة في الجلسات المغلقة فضلا عن تصريحات الامين العام للمجلس. ويبدو انها كانت محل اختلاف وجهات نظر بين دول المجلس، واتضح ان امام طاولة القمة ملفين يتعلقان بـ ايران، اولهما احتلال ايران للجزر الثلاث الاماراتية، وثانيهما الملف النووي. ويبدو ان القمة لم ترد ان تُصعد اللهجة تجاه ايران بالتطرق للملفين، فاكتفت بالتركيز على موضوع الجزر، واشارت بمطالبتها بأن تكون المنطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل، فهي لم تر ضرورة للضغط على ايران، على الاقل في الوقت الراهن، وكأنها تأمل من ان تتفهم ايران الرسالة، وتبادر لحل القضايا المعلقة بحيث توفر حسن النية كمبدأ اساسي لتجسير الهوة ما بين دول المجلس وايران، وان لا تضع الخيارات الامنية والعسكرية في سلم الاولويات على حساب استحقاقات داخلية مطلوبة. ومن يحلل السلوك الايراني الراهن يلحظ نزعته الى التشدد والتصعيد، ومن قرأ الصحافة الايرانية في الايام الماضية، يلمس عودة نبرة (نظرية تصدير الثورة) وكان قد أكدها الرئيس محمود احمدي نجاد بقوله: (ان الجمهورية الاسلامية هي حاملة لواء الاسلام الحقيقي والمبشر العالمي به) وقال: (ان على ايران مسؤولية كبيرة ومهمة لتكوين مجتمع اسلامي من شأنه ان يمثل نموذجا في العالم).

ولكن هل من حق الخليجيين فعلا ان يقلقوا من ايران؟!

الحقيقة ان من يقرأ التاريخ، يلحظ ان علاقة العرب بايران فيها عادة شيء من التوجس والرغبة في التوسع، ولعل ما دفع دول المنطقة الى تحالفات عسكرية مع الغرب هو نتيجة التهديدات الايرانية في الثمانينات فضلا عن الفارق في القدرات العسكرية والبشرية بينها وبين ايران. الآن، وفي خضم الاحداث الراهنة، وبروز عدة عوامل ومعطيات، نجد ان ثمة تعاظما للدور الايراني الاقليمي من خلال استغلال الوضع المتأزم في العراق، والتهديد الذي تواجهه دول المنطقة من الارهاب، اضف الى ذلك لغة طهران الجديدة والمتشددة والاصطدامية والتي قد تجر المنطقة الى حروب او الى دخول مرحلة عدم الاستقرار الامني والسياسي.

ولعل تصاعد الازمة لدى ايران، يؤدي بالضرورة الى تداعيات وافرازات وشظايا تصيب دول الخليج، كما ان اشعال اي فتيل في المنطقة يعني مزيدا من القلق والتوتر لمنطقة هي متوترة بالفعل.

ان مسألة امن الخليج قضية مطروحة منذ السبعينات كونها تتميز بعاملي النفط والموقع الاستراتيجي، وهي المنطقة الملتهبة والتي شهدت ثلاث حروب مدمرة طوال العقدين، مما ادى الى زعزعة استقرارها الاقليمي، وما زالت دول الخليج تعاني من افرازاتها، ولهذا من الطبيعي ان يقلق الخليجيون على امنهم واستقرارهم ومستقبل اجيالهم. فموازين القوى في المنطقة قد اختلت، وتشدد الرئاسة الايرانية في خطاباتها وتوجهاتها يثير حفيظة العالم فما بالك بدول الجوار، ولعل تجاهلها حل قضية الجزر الاماراتية، سواء بالمفاوضات المباشرة او بالتحكيم الدولي، دليل ساطع على تعنت ايران في القبول بحلول او صيغ توفيقية.

والحقيقة ان هنالك تسريبات صحافية بناء على تقارير استخباراتية تدل على ان ايران قادرة على تطوير اسلحتها النووية وانها ستنتج اول قنبلة في اقل من خمس سنوات، والغريب ان تتجه ايران الى التسلح النووي في ظل ظروف اقتصادية سيئة وازدياد سكاني مريع فضلا عن الخلافات الداخلية ما بين الاصلاحيين والمتشددين ازاء السياسة الخارجية. لقد كانت ايران في العهد الاصلاحي برئاسة خاتمي تمثل النضج السياسي والدبلوماسية الراشدة التي انتقلت من مفاهيم الثورة الى مصطلحات الدولة العصرية، وقد شهدت تلك المرحلة تقاربا خليجيا ـ ايرانيا، قادته السعودية، فخلق حالة من الثقة والارتياح والوفاق مما انعكس على بقية دول الخليج، وهيأ ظروفا، ومناخا تفاؤليا في المنطقة، غير انه لم يلبث ان تلاشى هذا الشعور الايجابي والامل في ان تدرك ايران حساسية الوضع وخطورة تداعياته وهي معنية الآن بوقفة تأمل تجاه طروحاتها وتوجهاتها وخطاباتها التهديدية والتصعيدية، وكأنها عازمة على ان تخسر الكل بدءا من المجتمع الدولي وانتهاء بدول الجوار. وهذا يقودنا الى رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حول تفعيل قوات درع الجزيرة، وقد تمت احالتها لمجلس وزراء الدفاع المشترك لدراستها، وهذه خطوة هامة وجديرة بالدراسة والتأمل، فالمنطقة تعرضت لحروب عدة، واختلت موازين القوى، مما يتطلب التوصل الى رؤية شاملة مشتركة قادرة على تأسيس نظام أمني خليجي فاعل، يأخذ في الاعتبار مصالح واهتمامات دول المجلس، ويكون في ذات الوقت قابلا للتطبيق، وكأن الرسالة السعودية تدعو الى الاعتماد الذاتي في مواجهة التحديات وعدم الاعتماد على مصادر قوة خارجية.

ان قمة ابوظبي خرجت بالحد الادنى والمطلوب في هذه اللحظات الحرجة التي تتعرض فيها المنطقة لتحولات ومتغيرات، وكان مهماً ان تكون لغة الاقتصاد هي المهيمنة لتحقيق تكامل وتكتل اقتصادي فاعل، لا سيما ان هنالك جداول زمنية يجب الالتزام بها، الا ان هذا لا يعني عدم حاجة المجلس الى التطوير والتعديل لكل الانظمة واللوائح بما يتفق مع طبيعة المرحلة القادمة وانضمام دول المجلس لمنظمة التجارة العالمية.