خواطر حول الميزانية السعودية

TT

ارتبطت الميزانية السعودية في أذهان الغالبية الساحقة من المواطنين والمواطنات السعوديين، بأنها الحدث المالي الأهم في كل عام. وبالرغم من أن الميزانية بعينها قد لا تمس حياة المواطنين بصورة مباشرة، ولكن هكذا تعوّد المواطن السعودي.

هذه السنة تعلن السعودية عن أكبر بميزانية في تاريخها. والأرقام التي أعلنت في الميزانية، تتخطى فقط حجم المبالغ المخصصة، ليتم التركيز على أوجه الصرف، فنال قطاع التعليم والتدريب نصيب الأسد من هذه الميزانية اللافتة. والتحدي اللافت هو: كيف ومتى ستنفذ هذه الميزانية العملاقة؟ آخذين بالاعتبار كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الموجهة للوزراء عن ضرورة سرعة التنفيذ، لأن المال موجود، والعذر غير مقبول في تأخير تنفيذ تفاصيل خطط الميزانية المعلنة.

وسؤال آخر: هل لدى الوزارات السعودية اليوم القدرة الفعلية على تنفيذ الخطة المالية المنشودة؟ المقصود بالسؤال هنا تحديدا هو: عدد الكفاءات الإدارية الموجودة اليوم في الوزارات و«نوعية» هذه الكفاءات؟ وليس سرا أن هناك ضغوطات كبيرة على الوزارات، لأداء دورها المنشود، ولكن يبدو أن الوزارات بحاجة لإعادة هيكلة جادة في القطاع الاداري فيها، وبالتالي أيضا تعديل نظم التوظيف في وزارة الخدمة المدنية التي تجعل من فصل الموظف في حالة تقصيره عن العمل أشبه بالمهمة المستحيلة. هناك حاجة ماسة لتفعيل منظومة الثواب والعقاب في التوظيف الحكومي، لأنه بسبب فقدان هذا العنصر تحولت الكثير من القطاعات الرسمية الى مرتعا للمحاسيب والأنصار، اضافة لذلك هناك نقطة بالغة الأهمية، هو شكوى بعض الوزارات من عزوف شركات المقاولات والصيانة والتشغيل الكبرى من التعامل معها، نظرا لعدم قدرتها على تلبية الاحتياج المطلوب من العمالة الرخصية، وذلك بسبب عنق الزجاجة الخاصة بسياسات الاستقدام ووزارة العمل.

الميزانية مطالبة بتوجيه اهتمام كبير، تجاه تنمية الريف السعودي في مختلف مواقعه، حتى تصل اليه الخدمات بمختلف أشكالها، وأن يكون الريف جزءا ورقما أساسيا في خطط التنمية، إضافة لذلك، فإن هذا النوع من التوجه، سيخفف الضغط الكبير والمتزايد على المدن الرئيسية، والتي تعاني من ازدياد نسبة الهجرة إليها. ومع الاهمال الذي أصاب الريف السعودي، جعل نسبة البطالة تزداد، وبالتالي كان صيدا سائغا للتطرف والتشدد والغلو، وبالتالي الارهاب.

التعامل مع الميزانية السعودية الجديدة، على أنها الأكبر فقط من دون إدراك حجم التحدي الكامن في التفاصيل، سيجعل التركيز على الجانب الوصفي في الميزانية، لا على خطة العمل وأسلوب تنفيذه. وليكتب لهذه الميزانية النجاح لا بد من تغيير منهجي في اسلوب الرقابة والتدقيق المتبع لمعاينة ما يصرف، وكيف يصرف، على أن يكون الأداء بشكل شهري أو ربع سنوي، حتى يتم توجيه الأمر بصورة فعالة وتنفيذية قابلة للقياس، وبالتالي الاصلاح في حالة النشوز عن الهدف. الميزانية السعودية الجديدة تاريخية بكل المقاييس، ولكن الأهم أن تتسبب في اصلاحات إدارية حقيقية في الأداء الاداري لقطاعات الدولة، حتى يكتب لهذه الميزانية النجاح الكامل والقطعي.