هذا المشهد

TT

محاكمة الرئيس العراقي السابق ورجاله، مشهد سوريالي عبثي سينمائي مسرحي، لا ضرورة له. بث مباشر عن مدى الضعف البشري وحجم الانسان وسلوكه، عندما يجرد من السلطة. مشهد لا ضرورة ان يضم الى بقية المشاهد التي تخرج من العالم العربي كل يوم، فيما نحن نطالب الآخرين بأن «يتفهمونا» وان يتعرّفوا الى حضارتنا. اين نريدهم ان يتعرفوا الى حضارتنا؟ «معرض الكتاب التاسع والأربعون» في بيروت مليء بملصقات عن شهداء لبنان الذين سقطوا هذا العام. شهداء الحرية والكلمة. وعندما اغتيل جبران تويني، سارع المسؤولون وأضافوا صورته الوسيمة الى الملصقات الأخرى. وقد كتب الصحافي الأردني المقتدر رامي خوري في «الديلي ستار» أن ملصقات صور الشهداء في شوارع بيروت تحمل المارة على الاعتقاد انهم يسيرون في مدينة للموت والبطولة.

كلما شاهدت محاكمة صدام حسين، تذكرت روايات فرانز كافكا. وعالمه العبثي. ويخامرني شعور بالشفقة ليس على مجموعة من رجال أقاموا حكمهم على التسلط والاستبداد والجهل بمعاني الإنسانية، بل على العالم العربي، هذا العالم العربي الذي لا يزال في عصر المحاكمات وتعداد القتلى والضحايا، واستذكار الموتى الذين لا إحصاء لهم ولا عداد.

لماذا هذه المحاكمات، في عالم لا مكان فيه للحقيقة، ان صدام حسين يعيش في عالم متخيل. فهو ينفي كل شيء. وبرزان التكريتي يقرّع الشاهد ويكذبه. ولولا لباس المتهمين في هذا القفص الصغير المهين، لخيل إلينا أن المحاكمة تجري في الدانمارك: ليس من ضحية واحدة ولا من أسير واحد ولا من محاكم تفتيش ولا من مئات المفقودين ولا من حروب بلا نهاية، في الداخل والخارج.

لا شيء. كان العراق صورة لحرية الفرد وديمقراطية النظام. والمحاكمة كذب وتجنّ. وفي اي حال، لا لزوم لها، مهما كانت مظالم العراق. لا لزوم لهذا القفص الصغير المهين للإنسان وهذه القاعة الصغيرة. ولا يغيّر من عبثية المحاكمة، تأدب القاضي وأعصابه الفولاذية وسعة صدره.

انه مسرح مؤلم. الحاكم يلعب دور المخرج، وهو إخراج سيئ بكل المقاييس الدعائية، والمتهم يلعب دور الممثل، وهو تمثيل بدائي خال من أي ابتكار. والنتيجة مزيج سيئ وممل ولا جديد فيه. والحقيقة الوحيدة هي هذه الصورة البليدة لعالم عربي يرفض أن يواجه حقيقته. وهي فظيعة. آه، فظيعة.