قمتان للأفارقة والعرب.. فما هو المشترك؟

TT

تستعد الخرطوم هذه الأيام لاستضافة قمة الاتحاد الافريقي ومن بعدها القمة العربية التي ستعقد في مارس (آذار) القادم، ويضع السودان آمالاً كبيرة على القمتين، سواء في تعزيز سلامه أو في تمتين العلاقات العربية الافريقية.

ويتزامن انعقاد القمة الافريقية مع مناسبات عديدة، أبرزها: انها تنعقد في ذكرى مرور نصف قرن على استقلال السودان، ومرور عام على توقيع اتفاق السلام الذي أنهى حرب الجنوب التي كانت مستمرة لأكثر من عقدين من الزمان، كما أنها ستكون مناسبة فريدة إذ يجمع فيها السودان مع رئاسة القمة الافريقية، رئاسة القمة العربية، ولعل في ذلك ما يفضي إلى التعاون والتكامل المنشودين بين العالمين العربي والافريقي، فضلا عن انها ستكون القمة الأولى التي تشارك فيها لأول مرة سيدة افريقية اعتلت سدة الرئاسة عن جدارة عبر انتخابات ديمقراطية في ليبيريا، وهي ايلين جونسون التي أهدت نصرها لكل نساء افريقيا وعبرت عن سعادتها بأنها أول من فتح الباب لهن.

وتواجه القمة الافريقية تحديات كثيرة وكبيرة أبرزها التوتر المتصاعد بين اثيوبيا وارتيريا، الذي يهدد باحتمالات انزلاق البلدين في حرب أخرى، خاصة بعد عدم استجابة اثيوبيا لتنفيذ قرارات الترسيم الحدودية التي فصلت فيها الأمم المتحدة منذ أكثر من عامين، ورد الفعل الارتيري الغاضب الذي أجبر الأمم المتحدة أخيراً إلى سحب المراقبين من على الحدود الارتيرية، وفوق ذلك القرار الذي اصدرته قبل أيام لجنة دولية قضائية كانت قد تشكلت قبل خمسة أعوام في لاهاي، وفيه أن ارتيريا هي التي كانت البادئة بالحرب، وبذلك انتهكت ميثاق الأمم المتحدة، وهي عرضة للحكم عليها بتعويض اثيوبيا عن الخسائر التي سببتها من خلال هذا الانتهاك الدولي. ولا ريب أن هذا القرار سيزيد من تعقيد الأمور أمام القمة، لكن عليها في كل الأحوال أن توفر المخرج الذي يحول دون اندلاع الحرب ويوفر المسالك التي تفضي إلى التراضي المطلوب.

ولعل من أحدث النزاعات التي استجدت في القارة وستكون حاضرة في القمة، النزاع بين تشاد والسودان، حيث تتهم تشاد الحكومة السودانية بدعم العناصر المعارضة لها، والتي انشقت من الجيش التشادي عليها، بينما تنفي الحكومة السودانية تلك الاتهامات لأنه لا مصلحة لها في ذلك على الإطلاق، علماً بأن منطقة دارفور الحدودية أصلاً تشهد حرباً ونزاعات قبلية تسعى الحكومة لمعالجتها. ولا شك أن التداخل القبلي بين حدود البلدين أسهم في اهتزاز الوضع الهش في نظام الحكم التشادي الذي تتكالب عليه فصائل مسلحة كثيرة!.

وبما أن المنطقة أصلاً منطقة صراعات وكوارث، فإن الوجود الدولي الكثيف فيها، خاصة قوات الاتحاد الافريقي، قد شهدت بأن السودان لم يكن طرفاً في أي هجوم على الأراضي التشادية، فضلاً عن أنه لا توجد أصلاً نزاعات حدودية أو غيرها مما يحمل على الاعتقاد وجود أية دوافع لتغول طرف على آخر.

ومن حسن الحظ أن المفاوضات الدائرة في ابوجا بين الحكومة وحاملي السلاح، تشهد تقدماً كبيراً إلى درجة أعلن عن استمرار تواصلها الى أن تبلغ غاياتها وبرعاية الرئيس النيجيري اوباسانجو، بل يتوقع المتفائلون أن يتحقق النجاح قبل موعد انعقاد القمة في الثاني والعشرين من الشهر القادم، وأن يؤدي ذلك بالضرورة إلى طي صفحة التراشق بالبيانات بين تشاد والسودان.

وأياً كان الأمر، يحسب للاتحاد الافريقي انه حقق نجاحات سواء في مراقبة وحفظ السلام في دارفور أو غيرها، وما ينقصه بالفعل هو الموارد المالية التي توفرها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، كذلك الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الجهات لا توفرها أحياناً بالقدر المطلوب، وأحياناً تنزع الولايات المتحدة الى ابتزاز الاتحاد الافريقي بأشكال مختلفة، وصلت في بعض الأحيان إلى التلويح بسحب مسؤولية التكليف منه لصالح الأمم المتحدة، كما تردد حول دارفور، بل ان الكونغرس الامريكي خفض خمسين مليون دولار من حجم الدعم الذي كان مقرراً سلفاً للاتحاد الافريقي مما هدد ميزانية الاتحاد!.

ويحمد للاتحاد الافريقي صموده وإصراره على تولي المسؤولية ليس باعتباره القادر على حلحلة الأزمات فحسب، إنما لكونه ادرى بشعاب الأوضاع والتقاليد والتعقيدات التي تستحق معالجات وفقاً للموروثات الافريقية وبعيداً عن الأجندة الدولية!.

ولعل ما يثير الأسف والأسى، أنه لا توجد على الإطلاق مساهمات مالية عربية للاتحاد الافريقي لمواجهة الأزمات بما في ذلك أزمة دارفور، التي هي جزء من عالم إسلامي عربي افريقي، فضلاً عن أن غالبية العالم العربي جغرافياً ضمن القارة الافريقية، وان هناك الكثير من الشعارات التي كانت تطرح في الماضي عن التكامل العربي ـ الافريقي مصحوبة بالمؤتمرات المشتركة على مستوى القمم العربية والافريقية، وكل ذلك أخذ يتلاشى الى درجة اصبحت القارة التي كانت سنداً للقضية العربية تخترق الآن بقوة من إسرائيل!.

ترى هل نطمح في ضخ الدماء من جديد وبقوة في العلاقات العربية الافريقية عبر هذا المؤتمر الافريقي ومن بعده المؤتمر العربي الذي سيعقد في الخرطوم، خاصة ان الرئاستين سينعقد لواؤهما للسودان في مارس (آذار) القادم؟.

حقاً ان الفرصة ستكون سانحة عبر القمتين ومن خلالهما لو توفرت العزيمة وأحسن اهتبال الفرص، فالمطلوب من القمة الافريقية ان تبادر بالدعوة لقمة مشتركة تعقد خلال العام، وان تستجيب القمة العربية على ان تشكل لجنة مشتركة لدراسة وتحضير كل ما ينبغي عمله لإنجاح التكامل العربي الافريقي في المجالات كافة.

ولا شك ان امام العرب الآن الكثير الذي يمكن ان يفعلوه، سواء بالنسبة لتدعيم قوات الاتحاد الافريقي أو تعزيز فرص السلام السوداني بالمشاركة المتميزة في إعادة اعمار الجنوب بوجه خاص، وما خربته حرب دارفور بوجه عام. وهذا تحد كبير من شأنه أن يردم الهوة التي سعى البعض لاتساعها عبر ما يجري في السودان من اتهام للعرب جميعاً، إما بالعدوان بالنسبة لعرب السودان، أو بالتقاعس عن مدّ يد العون بالنسبة للعالم العربي بأسره.

وهذا جانب واحد من جوانب التعاون العربي الافريقي، وهناك جوانب عديدة مشتركة على كل الصعد: السياسية والاقتصادية والثقافية، لا يسمح المجال بتناولها في هذا الحيز، لكن من الواجب تناولها في مقال قادم، وعسى ان تحظى العلاقات العربية ـ الافريقية باهتمام أوسع عبر تناول أرحب في مختلف المجالات والتخصصات والهيئات حتى تعود الروح لهذه العلائق التي لا غنى عنها في عالم التكتلات الكبيرة.