ازدادت الفرص أم تنامى الخطر؟

TT

في منى حيث احتشد ملايين الحجاج انشغلت شركة الهاتف بتقديم خدماتها للراغبين ف ي ايصال سلامهم الى ذويهم ومعايدتهم الى احبائهم في انحاء العالم. وفي نفس المناسبة الكبيرة اطلقت شركة الاتصالات الهاتفية اول تجربة ببث تلفزيوني على الجيل الثالث من الهاتف المحمول معلنة عن عهد آخر جديد من الاتصالات. سيكون في ايدي كل الناس اجهزة تلفزيون اكثر مما في بيوتهم.

التاريخ يكرر نفسه بسرعة. كان المرء ينتظر في بيته لساعات من اجل ان يتلقى مكالمة هاتفية واليوم اصبح يحمل هاتفه في جيبه. هذا ما سيحدث لاحقا في مجال التلفزيون، بدل ان يبقى متسمرا امام الشاشة سيكون بامكانه ان يحمل تلفزيونه في جيبه، كما هو الحال عليه مع الكمبيوتر الهاتفي.

التقنية أدبتنا كثيرا خلال السنوات الماضية. كنا نظن انها تحت السيطرة لنكتشف اننا اعجز من ان نقبض عليها، ولعل الانترنت هو الصدمة الاجتماعية والسياسية الكبرى اكثر من كل ما مررنا به في تاريخ الاتصالات والاعلام. والتأديب التقني جاء بنتائج مفرحة ومؤلمة معا. اليوم الهاتف هو مركز الحركة الاعلامية، صار الناقل للبريد الالكتروني والمواقع والآن هو الباث التلفزيوني.

وبقدر ما ستحقق شركات الهاتف من ارباح اضافية، مع العلم انها اكثر الشركات ربحية في العالم، فان وسائل الاعلام هي الأخرى منحت ببثها التلفزيوني الهاتفي فرصة جديدة تفوق مزايا البث الاصطناعي الفضائي. صار الخبر، صوتا وصورة، متاحا في يد كل واحد منا.

والهاتف التلفزيوني ليس اكتشاف الليلة لأننا عرفناه ككاميرا تصويرية، ثم اضاف خاصية الفيديو حيث يتلقى اللقطات ويتيح مشاهدتها في اي وقت ومكان. لكنه خلال السنة الماضية كان محطة للخلاعة والايذاء الشخصي ايضا. اشتهر الهاتف الجوال بأنه ممر لصور الخلاعة والعنف غير المسبوق، صوره هزت الكثير من المجتمعات المحافظة التي كانت تسخر قوانينها وشرطتها واموالها لمحاربة هذه الثقافة. فجأة فعل الهاتف فيها اكثر مما حاولت التلفزيونات والصحف والمجلات والافلام وكل اصناف النقل الثقافي التقليدية.

اعتقد ان زمن الصدمات الثقافية قد مر ونحن الآن ندخل عهدا اقل اثارة. التلفزيون الهاتفي سيمنح شركات التلفزيون فرصة لتوسيع حجم مشاهديه وزيادة مداخيله وهو أمر قد يترجم الى اعمال اكثر ابداعية تقدم خدمة افضل للمجتمع الذي توالت عليه الفتوحات التقنية وضربته في كل مكان من تقاليده وتوقعاته وانظمته.

لم تكن قط مشكلة الاعلام وسيلة نقله منذ ان اخترع البث الفضائي، وتدنت تكاليفه، بل مشكلته استمرت في القدرة على تقديم الجيد والمفيد والممتع والصادق من المعلومات. وفي ظني ان الأمور تسير باتجاه تصحيحي لأن حجم الاستثمار في ايصال التلفزيون سيتطلب تطوير المضمون.

 

[email protected]