العرافة والتاء المربوطة!

TT

في زيارة صحافية لإحدى الدول الأفريقية رحت أنصت لما قالته إحدى العرافات في ذلك البلد لصحافي عربي «مثقف» بعد أن خبأت كفه داخل منديلها:

ـ «أنت يا ولدي تحب امرأة ينتهي اسمها بحرف التاء».

وذهل زميلنا «المثقف» من هذا الاكتشاف العظيم الذي قامت به العرافة، ونسي أن 90% من نسائنا العربيات تنتهي أسماؤهن بحرف التاء المربوطة مثل: فاطمة وعائشة وزهرة وخديجة ونورة وبدرية... الخ.

واستطردت قائلة: «أنت تعيش حالة قلق على صديق أو قريب أجرى عملية جراحية».

ففتح فمه إلى آخر مدى متعجبا من فراستها، في الوقت الذي كنت أدهش لسذاجته، فمن في هذه الدنيا ليس له صديق أو قريب أجرى عملية جراحية؟

ثم داعبت غروره بذكاء قائلة: «هناك فتاة تهيم بك عشقا إلى حد الجنون، لكنك لا تبادلها المشاعر».

فانتفخ صدر صديقنا وهو يحاول أن يصطنع التواضع ويقول: «إنها بنت الجيران!».

وفي تقديري أن رأسمال تلك المرأة دهاء ذكائها، فهي تتعامل مع زبائنها وفق عموميات محتملة بأسلوب نفسي يعتمد على مجموعة من الخبرات المتراكمة، وهي تستند في ذلك أيضا إلى فراستها في إدراك شخصية ضحاياها لتحديد المدى الذي يمكن أن يشتط به خيالها.

وقد ذكرتني تلك العرافة بذلك العرض السخي الذي تلقيته في أول حياتي الوظيفية من أحد المشتغلين بقضايا الدجل والضحك على العقول، فحينما علم أنني أحمل درجة الماجستير في علم النفس، وأعمل محاضرا في إحدى الكليات براتب متواضع، غضب وثار عارضا علي أضعاف مرتبي مقابل أن أعمل معه كباحث حالة قبل أن تعرض عليه، ولو قدر لكاتب هذه السطور أن يوافق على ذلك العرض الخبيث لما كان اليوم وراقا يتوكأ على قلمه.

والحقيقة أن معركة العلم مع الخرافة لم تحسم بعد، فعلى الرغم من التقدم العلمي لا تزال سوق العرافين والدجالين والمشعوذين رائجة حتى في أكثر بلاد العالم تقدما، وزبائن هذه السوق رعاع وجهلة وعلماء وكتاب ورؤساء دول وعوانس ومن كل الفئات.. ودخل هؤلاء المشعوذين من أكثر الدخول على المستوى العالمي، فهم يتقاضون أرقاما فلكية، بعد أن غدا الوهم من أكثر السلع رواجا.

وفي السعودية حرب شعواء ضد العرافين والمشعوذين والسحرة والدجالين الذين يفدون إلى البلاد من الخارج في مواسم الحج والعمرة، وقد أدرك هؤلاء حجم المخاطرة بالقدوم إلى هنا، وشدة العقوبة التي يمكن أن يتعرضوا لها في حالة القبض عليهم، فلجأوا إلى حيلة مبتكرة تتمثل في التعامل مع ضحاياهم عن بعد، حتى أن مكاتب البريد تضبط بين حين وآخر طرودا بها طلاسم وأحراز سحرية قادمة من الخارج إلى مستورديها من السذج والمغفلين.. ويظل في كل الأحوال رزق الدجالين موصولا بجيوب السذج.

[email protected]