اصطادت الشرطة السعودية هاربا فر من السجن قبل إحدى وعشرين سنة مضت. ساعدتها على الامساك بالهارب التقنية الحديثة التي جعلت من السهولة الرجوع الى جبال المعلومات المخزنة في كومبيوترات الأمن عن الملاحقين والمسجونين، وتاريخ طويل لا يمحوه الزمن.
لكن الكومبيوتر، الذي لا ينسى أيضا، لا يفقه الناس وظروف كل حالة، فهو فطن الى شخصية الموقوف وقاد الى اعتقاله في مخالفة مرور بسيطة ليعيده الى السجن في جريمة مرّ زمن طويل عليها. خلال عقدين من هربه ماتت زوجته الاولى وتزوج أخرى، وأنجب عشرة اطفال آخرين، وتخلى عن عادته السابقة بالاتجار بمخدر القات الذي بسببه حكم عليه بثمانية أشهر سجنا.
وهنا علينا ان نتذكر ما يقال لنا عن أن السجن إصلاح وتهذيب لا دار انتقام، وبأي طريقة يمكن ان يتم اصلاح المخالفين وردعهم عن طريق الخطأ يكون قد تحقق الهدف. الرجل المقبوض عليه حالة غير عادية لأنه عندما حكم عليه كان في الرابعة والأربعين من عمره، وهو اليوم في الخامسة والستين، ويعيل بيتا كبيرا ومعظم اولاده ولدوا بعد هروبه. ولا يُعقل ان رجلا بمثل هذا السجل العائلي والاجتماعي استمر في إجرامه، وهو الذي لم توثق ضده مخالفات لاحقة، بدليل ان هذه المخالفة المرورية البسيطة هي التي اوقعته في قبضة الشرطة. فان كان ذلك صحيحا فإن الأحكام توقع لأسباب وترفع لأسباب مماثلة، ونحن بقدر ما نصدق الكومبيوتر، الذي أمسك به، فإننا لا نحكم على الجميع بنفس العقلية الميكانيكية خاصة تجاه رجل يستحق اعادة النظر في ما تبقى له من عقوبة بسبب عمره واستقامته. وقد جرت العادة ان مناسبات العفو تمنح للتائبين والمتراجعين والمستسلمين والذين مضت احكام قديمة ضدهم ولم تنفذ، ولم يرتكبوا بعدها مخالفات تستحق احكاما جديدة.
ولولا التطور الذي ادخل على اجهزة العمل الأمنية لأفلت كثيرون من عقوبات سجن، ونسيت غرامات وأهملت محاكمات وغيرها، لكن مع مرور الوقت سيصبح عسيرا على المخالفين الاختباء مع تطور وسائل جمع المعلومات والتعرف على مواقع الهاربين من خلال نشاطاتهم المالية والوظيفية والمراقبة الجوية والأرضية. وبسبب ذلك سيسهل على الأمن احكام السجون، انما هذا كله يجب ألا يشغلنا عن الأهم وهو محاربة محيط الجريمة من دوافع ومسببات ونتائج. ومع مكافحة مناخ الجريمة يفترض ألا ننشغل بالاعتقال عن فتح ابواب العودة، بل منح الفرصة للعفو والرحمة وإعطاء المذنبين فرصة جديدة عندما يظهرون الرغبة في الصلاح. فكل سجين يعود للصلاح، ويخرج قبل وقته، اهم من سجين يقضي كامل مدة عقوبته ولا يعود عن جريمته.