مسلسل الأوهام حول إيران: من قبل دافوس.. ومن بعدها..!

TT

منذ سبع سنوات اصبحت «المجموعة الاسلامية» من طهران، واحدة من السمات الثابتة للقاء السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري.

وكان من اليسير تشخيص أعضاء الفريق. فهم يرتدون قمصانا بدون ياقات وجاكيتات من طراز ماو، ولحى خفيفة شبيهة بلحى مصممي الأزياء الرياضية، ومسبحات جذابة غالية الثمن، ويختفون مرات عدة يوميا، افتراضا لتأدية الصلاة. وكان زعيمهم رجل دين خفيف الظل يرتدي عمامة سوداء ويستشهد بأقوال من هوبز وهيغل بينما يحتسي القهوة.

وخلال السنوات نسج «فريق طهران» شبكة من صلات البزنس والصلات السياسية التي ساعدت على تغيير صورة الجمهورية الاسلامية كدولة منبوذة تميل الى الخداع. ويجري التفاوض على الصفقات المربحة على الهوامش، مع ما يكفي من الأموال لملء كل جيب. وبمرور الزمن أفلح الفريق في اجتذاب عدد من الغربيين الى حضور حفل لا يحضره الرجال المستقيمون دون ان يكون لديهم ملاعق طويلة.

وليست لدى كثيرين من المشاركين في منتدى دافوس اوهام بشأن طبيعة هذه الدعوة. ولكن معظمهم استخدموا خداع الذات لاقناع انفسهم بأنه في هذه الحالة المعينة يكون الشر صفة وليس اسما. وقد دفع بعضا من مشاركي دافوس خداع الذات الى ما هو ابعد من الحدود الكوميدية، بالإشارة الى ان الآيديولوجيا الخمينية ليست سوى النسخة الاسلامية من الديمقراطية الاجتماعية. وابلغ الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون جمهورا مندهشا في دافوس العام الماضي ان الجمهورية الاسلامية الايرانية، هي البلد الوحيد في العالم حيث شعر فيها بأنه «سياسيا في موطنه» وان الزعامة في طهران تتألف من «اشخاص أتماثل معهم الى حد كبير» في الاطار السياسي.

غير ان الواقع لديه عادة مشاكسة في ازعاج مثل حفلات الأوهام هذه. فهذا ما حدث في الصيف الماضي عندما فاز متشدد اسلامي بالرئاسة في الجمهورية الاسلامية، وشكل ادارة جديدة أمام دهشة الجميع، وأثار عن قصد نزاعا مع القوى الغربية. وفي العملية اوضحوا ان رؤية دافوس للخمينية لم تكن أكثر من رؤية وهمية مختلقة. ونتيجة لذلك فانه بدلا من جلسات السنوات الماضية حول «التجارة مع ايران» و«الاستثمار في ايران» وفر المنتدى في العام الحالي جلسة تسمى «استهداف طهران».

غير أن القضية الفعلية ليست التجارة ولا استهداف طهران. فبدون فهم مناسب لطبيعة النظام الحالي في طهران، لا يمكن القيام بشيء حول ما يسمى «الأزمة الايرانية» سواء عبر التجارة أو عبر استخدام القوة.

ان النظام الايراني الحالي ليس نظاما حانيا يمثله رجل دين حنون وعطوف. ففي ظل خاتمي، الذي اصبح رجل الدين المفضل في دافوس، قتل رجال تابعون للنظام عشرات من المثقفين بينما ألقي بآلاف في السجون، وتم حظر اكثر من 150 صحيفة ووضعت آلاف من الكتب في القائمة السوداء.

والتصور بأن رئاسة خاتمي التي استمرت ثماني سنوات، تمثل عهدا ذهبية للحرية انتهت بوصول احمدي نجاد هو ببساطة تصور غير صحيح، فنجاد ليس بالمغامر الساذج الذي يتصوره المشاركون في دافوس وليس «محافظا متشددا» كما يصوره احتكار خاتمي ـ رفسنجاني.

والحقيقة هي انه ثوري راديكالي يتصرف طبقا لشخصية ايديولوجية الخميني، وهي حركة رسالية طموحها هو اعادة تشكيل العالم طبقا لآرائها.

وفي كل الموضوعات المثيرة للجدل التي دفعت الحاضرين في دافوس لاتخاذ موقف ضد احمدي نجاد، كان منافسوه في طهران، بما في ذلك رفسنجاني وخاتمي، يحتفظون بآراء مماثلة.

ففي ما يتعلق بالقضية النووية، فقد تم احياء البرنامج في عهد رافسنجاني، بعد عدة اسابيع من وفاة الخميني في 1989.

وعلاقة ايران السرية بعبد القادر خان، عالم الذرة الباكستاني الذي باع لطهران المعدات والمعلومات، بدأت في عهد خاتمي. كما تم في عهد خاتمي زيادة ميزانية المشروع النووي خمس اضعاف.

ولم يقبل خاتمي ولا رفسنجاني الهولوكوست كحقيقة تاريخية. كما لم يعترفا بحق اسرائيل في الوجود. وطوال عهد رفسنجاني شنت الجمهورية الاسلامية حربا بالوكالة، ضد اسرائيل عبر الفرع اللبناني من حزب الله. وفي عهد خاتمي، ظهرت الجمهورية الاسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الراديكالية الفلسطينية وفي احدي المناسبات، ضبطت وهي تهرب الاسلحة لجماعة فتح.

وخطأ احمدي نجاد الاكبر هو رفضه ممارسة «الكتمان»، وهو تقليد قديم يعني ان الكذب من اجل الامر الذي تعتقده ليس بأمر جيد فقط بل هو إلزامي. فهو يقول بصوت مرتفع ما كان رفسنجاني وخاتمي يؤمنان به في صمت.

ان رفسنجاني ـ خاتمي يتحدثان دائما عن «حوار الحضارات» ولكنهما لم يسمحا بأي حوار داخل ايران نفسها.

ويتحدث احمدي نجاد بصراحة عن «صدام الحضارات» داخل ايران وفي العالم ككل. وهو لا يريد مقعدا في لجنة في دافوس، بل حلمه هو القضاء على النظام الرأسمالي الذي أدى الى ظهور دافوس. وهو لا يريد من ايران ان تصبح عضوا في منظمة التجارة العالمية، التي وصفها بأنها ناد للصوص العالميين». كما لم يغره عرض العلاقات التجارية التفضيلية مع الاتحاد الاوروبي الذي يعتبره «اسرة من الطفيليين السمان يعيشون على حساب الدول الاخرى».

ولذا فإن المشاركين في دافوس على خطأ الآن في نقاشهم عما اذا كان يجب استهداف طهران من عدمه، كما كانوا على خطأ عندما تجاهلوا طبيعة النظام الخميني وعاملوا رجال الدين المبتسمين معاملة مميزة. ويكون من الخطأ الاعتقاد ان احمدي نجاد هو شخصية متقلبة غريبة الاطوار.

فمع بعض الاختلافات الهامة، يمكن القول ان الرئيس الفنزويلي هيوغو تشافيز، وبدرجة ما الرئيس البرازيلي اغناسيو لولا دي سيلفا، يتبنيان نفس المنهج الشعبي البعيد كل البعد عن دافوس. وفي الشهر الماضي انضما اليهما رئيس بوليفيا الجديد ايفو موراليس. وبدرجة ما يمكن القول ان الرئيس الكوبي فيدل كاسترو ورئيس كوريا الشمالية كيم سونغ ايل يمكن انتماؤهما لنفس النادي.

وكما هو الامر دائما، فإن الصفات الرئيسية لهذا النوع هو كراهية الاجانب، ومبدأ «المرشد الاعلى» وتكتيكات استعراض العضلات في الشوارع، والخوف من الديمقراطية وكراهية كل «قوى عظمى» في ذلك الوقت، وفي بعض الحالات جرعة من معاداة السامية.

ان هذه النوعية من السياسة ليست محدودة في دائرة من الزعماء الشعبيين الذين ذكرناهم من قبل، بل هي تستمع بعديد من المشاهدين في الديمقراطيات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ان هذه الشعبية الجديدة قد فارقت الخمينية في عدد من القضايا الاجتماعية الهامة، بما في ذلك وضع المرأة. وبالرغم من ذلك، فهي قادرة على اعطاء الخمينية مجالا سياسيا واسعا يسمح لها بتجنب العزلة الاخلاقية والثقافية.

لقد كان كلينتون مخطأ عندما وصف الجمهورية الاسلامية بإنها الدولة الوحيدة في الكرة الارضية التي تحقق فيها «الافكار التقدمية» انتصارات في الانتخابات. السناتور جون ماكين، الذي يأمل في ان يصبح مرشحا للرئاسة عام 2008، مخطئ ايضا لاعتقاده بأن المشكلة الوحيدة للجمهورية الاسلامية هي خطتها المزعومة لإنتاج اسلحة نووية.

ولمواجهة مثل هذا النوع من الاسلوب الشعبي، الذي يقدم ملجأ للفاشيين والشيوعيين، يجب علينا الاعتراف اولا بوجوده وفهم طبيعته قبل ان ندخل معه في معارك فكرية. هذه الشعبية الجديدة ليست الفكرة الراديكالية الاولى التي تقدم نفسها كمتحد للديمقراطية. ولكن مثل ما سبقها، يمكن هزيمتها وستهزم.