خطاباتهم إلى الصغار: كنوز أدبية!

TT

قرأت خطابا رفيعا لأستاذنا طه حسين نشرته إحدى الصحف العربية. الخطاب من طه حسين إلى أديب شاب، ولغته في غاية الرقة واللطف والأبوة.

وقد أمتعنا طه حسين بلطفه وأبوته وأستاذيته. لقد كنت تلميذا لطه حسين وكنت معجبا بالأستاذ عباس العقاد، وأشهد أن عظمة العقاد قد أخفت عنا عظمة طه حسين، فجاءت معرفتي الحميمة لطه حسين متأخرة ـ مع الأسف.. لقد كنا نلجأ إلى طه حسين، عندما نضيق بالأستاذ العقاد، فقد كان العقاد جافا خشنا، فليس له أولاد ولا يعرف معنى الأبوة، ولا كان أستاذا جامعيا، يعرف معنى التلمذة عليه وحوله. وكان العقاد يقول: يا مولانا أنت لا تعرف كذا وكذا.

أما طه حسين فيقول: يا سيدي كما تعرف هذه مسألة صعبة، ولكنك تستطيع.

وكان العقاد يقول: إن هناك أساتذة في الجامعة يرون انهم إذا ذهبوا إلى السوربون أو اكسفورد فهم أكثر علما من الذين لم يذهبوا إلى الجامعة، لو صح هذا لكان حذائي اكثر فهما للفلسفة والأدب بحكم معاشرته لي.

وكان طه حسين يقول: إن الأساتذة إذا ذهبوا إلى السوربون أو اكسفورد فقد انتقلوا من مجرد الإلفة إلى الحب والعشق، فما أكثر النماذج الجميلة وأروع القدوة وأغزر المعرفة، إن أحدا لم يولد في الجامعة وإنما هي الحضانة الرقيقة والدفء النبيل.

وأذكر أن زميلا صحافيا في أول حياته العملية أرسل خطابا للدكتور السنهوري باشا فقيه الفقهاء في الدستور يسأله بماذا ينصحه في حياته الدراسية والعملية، ولم يتوقع هذا الزميل الشاب الصغير أن يتلقى ردا من السنهوري باشا، وأيامها كان وزيرا للمعارف.

أما خطاب السنهوري فكان تحفة في الأدب الرفيع، وأبوة غامرة وتواضعا جميلا، فأخذت هذا الخطاب إلى الأستاذ إحسان عبد القدوس رئيس تحرير (روز اليوسف) ونشر الخطاب البديع، ولا أزال أذكر الاستهلال الذي بدأ به السنهوري باشا خطابه. لقد كان بيتا من الشعر عن الاستقامة يقول البيت:

(ألف) الكتابة، وهو بعض حروفها

لما استقام، على الحروف تقدما

أي أن حرف الألف تقدم كل الحروف لاستقامته، وبقية الخطاب من هذا الطراز البليغ نثرا وشعرا.

وأذكر خطابا تلقاه أحد الزملاء من توفيق الحكيم، يقول توفيق الحكيم ما معناه: إن كان من رأيك أنني أستاذك أو لغيرك فلا أنصحك أن ترتدي ملابسي، ويجب أن تكون مختلفا وألا تستعير عيني لكي ترى، وأذني لكي تسمع، وعصاي لكي تتوكأ عليها.. فلم يكونوا عظماء من فراغ!