الماسور وما أدراك بالماسور

TT

تكلمت في حلقة سابقة عن الدزاينر كمعلم من معالم الجاه والثروة. الشخصية الأخرى المشابهة، شخصية الماسور، أو المدلك، المدلكجي.

التقيت قبل أشهر بأحد رجال السينما الأميركان. بعد حوالي نصف ساعة، تمطى هذا الرجل في جلسته وفرك اكتافه ثم تمتم بألم وتثاقل وقال: «أوه! يا رب! مدلكي الخاص استعاره مني المستر بلير رئيس حكومتكم، صادفني في نيويورك وتوسل بي وقال، تشارلي عزيزي، اعمل معروفا وأعرني مدلكك لاسبوع واحد لا اكثر. كذب عليَّ ويا ما يكذب هذا الرجل. احتفظ به الى الآن. خدعني وقال: مدلكي ماتت زوجته وذهب لتشييعها. قلت له لاسبوع واحد لا اكثر. ولكن من يثق بكلام توني احمق. وهكذا، ترونني الآن. كل عضلات كتفي متخشبة ومدلكي عند توني بلير. هذا درس لي. لن أعير مدلكي بعد اليوم لأي أحد ولا حتى لجورج بوش نفسه.. ولو ليوم واحد».

بالطبع انبهرت واسرعت لخدمة الرجل. وكنت قد تطوعت لتدليك كتفيه لو كنت اعرف كيف. فنحن في بلادنا العربية علمونا على مسح الأكتاف لا تدليكها. ما ان انصرف الرجل حتى بادرت الى سؤال صديقي الذي عرفني به. من يكون هذا السينمائي الأميركي الكبير الذي يعرف المستر بلير؟ فأجابني الرجل وكان ايضاً من رجال السينما، «أي سينمائي كبير؟». انت صدقت هذا الكلام؟ هذا واحد نصاب كذاب، ليس له أي مدلك خاص ولا يعرف المستر بلير ولا أي شيء. أنا عندي مدلكي الخاص لا اسافر قط بدون ان يكون معي وكلما.....». وانطلق الرجل يثني على مدلكه هو كما كان جدي رحمه الله يثني على حصانه.

وجود مدلك خاص ضمن ملاك الوجهاء في الغرب يعتبر الآن أهم من السكرتير والمحاسب والمستشار المالي، بل وأهم من صحبة امرأة مليونيرة للدلالة على مكانة المرء في المجتمع. قيل لي ان كل ذلك الانقلاب الذي اجتاح اوروبا الشرقية وقوض انظمتها الشيوعية يعود الى مدلكجي الرئيس ريغان. فعندما التقى غورباتشوف بريغان في محادثات نزع السلاح، قدم كل منهما للآخر طاقم موظفيه ومساعديه! حتى جاء دور مدلكجي ريغان فقدمه هذا الى الرئيس غورباتشوف فتعجب هذا من الأمر وتجرأ فسأل رونالد ريغان، ما هو دور المدلكجي في التسلح النووي؟ فضحك الرئيس الأميركي ملء شدقيه ثم شرح للزعيم السوفياتي حقيقة عمله، وهي تدليك الظهر والكتفين. يقال ان غورباتشوف ادرك عندئذ، ولأول مرة، سر تفوق الرأسمالية على النظام الشيوعي. الرأسمالية تقوم على المدلكجية والنظام الذي ليس فيه مدلكجية نظام فاشل لا يستحق البقاء. فعقد العزم على تغييره.

وفي كل هذا موعظة لمن يتعظ. لا فائدة من الحديث عن الارصدة والطائرات الخاصة والقصور الشامخة والنسابة مع هذا الوزير أو ذاك. الشيء الحقيقي الذي يبهر الناس في الغرب في هذه الأيام ويقنع البنك الدولي والممولين الاجانب ورؤساء الشركات الكبرى هو ان يأتي المتفاوض معهم وبصحبته المدلكجي الماسور الخاص به. ولا يبدأ المفاوضات معهم قبل ساعة أو نصف ساعة من الكلام عن ماسوره البارع وقدراته الخارقة في تدليك الظهر والقفا والكتفين.