ساعتا إيران .. أيتهما تطلق جرس التنبيه أولا؟

TT

هناك ساعة أخرى «تتكتك» داخل إيران، فيما يعيش العالم اليوم مركزا على برنامج إيران النووي، ولكن تلك الساعة يتجاهلها معظم المعلقين السياسيين.

ولكلتا الساعتين جرس تنبيه. فبالنسبة للساعة المتعلقة بالبرنامج النووي، فمن المتوقع ان تدق ساعة التنبيه بعد ثلاث إلى خمس سنوات، إلا إذا تم القيام بعمل ما لعرقلة الآفاق العسكرية للبرنامج. أما جرس التنبيه بالنسبة للساعة الخاصة بالسياسة المحلية لإيران، فمن الممكن أن يدق خلال الأشهر القليلة المقبلة مع دخول الصراع على السلطة في طهران مرحلة جديدة ومكثفة.

فهناك مناسبة تستحق المتابعة تتمثل في انتخاب مجلس جديد للخبراء، وهو كيان يقوم باختيار «المرشد الأعلى» الذي يمتلك سلطات غير محدودة تحت دستور الخميني.

ومن المفترض ان ينتهي انتخاب أعضاء هذا المجلس في أبريل (نيسان) المقبل، ولن يكون مفتوحا أمام المواطنين كي يشاركوا في انتخابهم. ومثلما هي العادة في انتخابات الجمهورية الإسلامية، فعلى المرشحين أن يحصلوا على موافقة السلطات، وحالما تنتهي النتائج يكون بإمكان مجلس «تشخيص مصلحة النظام» المتكون من 12 رجل دين أن يلغوا أي نتائج من الانتخابات التشريعية. بصيغة أخرى هذه الانتخابات تشبه الانتخابات الأولية التي يقوم بها أي حزب سياسي عند اختيار مرشحيه. وتتشكل المجموعة المهيمنة في «مجلس الخبراء» من رجال الدين الذين يمتلكون مصالح في «البزنزس» مع أواصر قديمة تجمعهم بالـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي والرئيسين السابقين هاشمي علي أكبر رفسنجاني ومحمد خاتمي.

وتكمن أهمية الانتخابات المقبلة في احتمال وقوع تغيير في أغلبية أعضاء المجلس. فالتغيير هو استمرار منطقي للانتخابات الرئاسية التي أوصلت جيلا جديدا من الراديكاليين إلى السلطة تحت قيادة محمود أحمدي نجاد. وإذا وقع التغيير، فإنه لن يكون هناك أي ضمان من أن تسعى النخبة الجديدة من أعضاء مجلس الخبراء إلى السعي لإيصال أحدهم كي يكون «المرشد الأعلى».

والافتراض السائد في طهران هو أن خامنئي «المرشد الأعلى» الحالي سيحتفظ بموقعه إلى حين، لكن حينما يكون الأمر متعلقا بالسياسة الإيرانية، فالتوقعات السائدة تكون مغلوطة عادة. ففي الصيف الماضي على سبيل المثال توقع الكثير فوز رفسنجاني بالانتخابات الرئاسية. والأكثر معرفة توقع فوز محسن قليباف وهو رئيس شرطة متقاعد، ومرشح مفضل من قبل خامنئي. لكن اتضح لاحقا أن أحمدي نجاد حقق فوزا ساحقا.

وخلال الانتخابات الرئاسية، كان خامنئي بارعا بما فيه الكفاية لتكييف أساليبه، ففيما دعم قاليباف في الدورة الأولى، انتقل الى دعم احمدي نجاد في الدورة الثانية. غير ان احمدي نجاد يشعر بأنه غير مدين بشيء لخامنئي. وبتركيزه على ان «الإمام الغائب» المهدي هو المصدر الوحيد للسلطة في الجمهورية الاسلامية، حاول احمدي نجاد تهميش «المرشد الأعلى». وفي كثير من خطاباته، يضع المهدي قبل كل الأنبياء، ويزعم أنه «رسول شخصي خاص» للوصول الى «الإمام الغائب». ومن الناحية النظرية فان الأكثر معرفة من بين رجال الدين الشيعة فقط هم الذين يفترض اعتبارهم الأكثر تأهيلا لموقع «المرشد الأعلى». غير أنه من الناحية العملية لا يبدي أي من آيات الله العظام أي اهتمام بالمنصب. والحقيقة أن الأغلبية الساحقة من رجال الدين الشيعة في ايران يعتقدون الآن ان مشاركتهم في الحكومة خاطئة، وان الخميني كان سياسيا طموحا أكثر منه زعيما دينيا مناسبا. ويريد بعض كبار رجال الدين الغاء منصب «المرشد الأعلى» ونقل مسؤولياته السياسية الى رئيس الجمهورية. وبالتالي، فان الجوانب الدينية للمنصب يمكن ان تكون بمسؤولية مجلس من خمسة رجال دين.

وقد دعم تلك الصيغة كل من رفسنجاني وخاتمي، وإن بصورة غير مباشرة. ويعتقد بعض المحللين انه لو ان رفسنجاني كان قد فاز، لكان قد سعى الى دمج المنصبين الكبيرين للنظام.

غير ان النخبة الحاكمة الجديدة، التي يرمز اليها أحمدي نجاد، تبدو عازمة على الحفاظ على منصب «المرشد الأعلى» بعد تجريده من بعض سلطاته السياسية والإدارية. وفي ذلك السياق، فان المرشد الآيديولوجي للنخبة الجديدة، آية الله محمد تقي مصباح يزدي، يمكن أن يكون المرشح الرئيسي لمنصب «المرشد الأعلى» اذا ما أرغم خامنئي على التخلي عنه.

ويمكن أن لا يكون الفارق بين الرجلين كبيرا. فبينما كان خامنئي عاجزا عن اكمال دراساته في العلوم الدينية قبل الثورة بسبب الفترات المختلفة التي قضاها في سجون الشاه، فان مصباح يزدي اتجه بعيدا عن السياسة وتلقى أفضل تعليم يمكن ان توفره المؤسسة الدينية الشيعية. ويزعم اولئك الذين يعرفونه انه واحد من الخبراء البارزين في الفلسفة الشيعية. ولكنهم يؤكدون أيضا انه متشدد في القضايا الاجتماعية والثقافية، ولديه شعور بالازدراء العميق للحضارة العصرية التي تقودها الديمقراطيات الغربية.

ولانه لم يحصل على فرصة للتأهيل كرجل دين، فقد اصبح خامنئي رجل سياسة. وبعد الثورة عمل مساعدا في مكتب الخميني ومسؤولا عن توزيع النقود على رجال الدين المحتاجين عبر البلاد. ثم اصبح رئيسا لمكتب المشتريات العسكرية ثم فيما بعد نائبا لوزير الدفاع تحت رئاسة المتطرف الايراني اللبناني مصطفى تشامران. وفي عام 1989 تسبب في مفاجأة عندما اعلنت لجنة الخبراء انه اصبح «المرشد الاعلى» المؤقت، بعد ايام من وفاة الخميني. وحوّله المجلس الى «مرشد أعلى» دائم.

وبالرغم من ان مصباح يزدي يتجنب الاضواء، فقد كان طرفا في معظم المناقشات داخل المؤسسة الخمينية للسنوات الست او السبع الماضية، وكان يثير مشاعر عنيفة سواء كان مع او ضد. والسبب في ذلك انه ضد «التقية» و«الكتمان» اللذين حولهما رجال الدين الى فن حقيقي عبر القرون. ولذا فهو يقول علنا ما يفكر فيه معظم الملالي سرا.

ومصباح يزدي، وهو من اتباع الفيلسوف الايراني الراحل احمد فرديد، مليء بالتناقضات. فمن ناحية يتحدث عن العلاقة المباشرة بين المؤمنين والإمام الغائب. ومن ناحية اخرى، يدعي ان معظم المؤمنين يفتقدون الى الحكمة للتفريق بين الصواب والخطأ، وبالتالي يحتاجون الى القيادة ومتابعتهم مثل الاطفال، وهو يتحدث عن حلمه بالدولة الاسلامية العالمية التي يمكن ان تقود الطريق للخروج من «المتاهات القاتلة للجشع والفساد الذي خلقه الغرب». وبالرغم من ذلك فهو يصرُّ على ان المسلمين من غير الشيعة هم من المنحرفين، وبالتالي لا يمكنهم المشاركة في غزو العالم من اجل «الاسلام الصادق».

وبغض النظر عن نتائج الانتخابات القادمة، فإنه ستكون ذات تأثير اساسي على مسار السياسة الايرانية في السنوات القليلة القادمة.

وإذا لم تتمكن النخبة الراديكالية الجديدة من الفوز بالأغلبية، فإن الحرس القديم برئاسة رفسنجاني يمكن ان يشكل تحالفا مع خامنئي وتطرد الحرس الجديد الذي يقوده مصباح يزدي واحمدي نجاد في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد عامين. أما اذا سيطر الحرس الجديد على مجلس الخبراء، فربما يقود حملة اصلاحية للبنية الاساسية للجمهورية الاسلامية بهدف «التحرك الكامل للصدام القادم للحضارات»، كما يتصوره احمدي نجاد ومصباح يزدي.

وبالنسبة للساعة النووية، فلا الحرس القديم ولا الجديد يرغب في وقفها. ولكن الأمر لا يحتاج الى كثير من الخيال لمعرفة ما إذا كانت القنبلة النووية في يد متشدد مثل أحمدي نجاد ومصباح يزدي، يمكن ان تكون اكثر رعبا مما لو كانت في يد ملال مثل رفسنجاني او خاتمي اللذين لديهما مصالح اقتصادية واتصالات بالغرب.