البلوى توث!

TT

في حمى تقليد البرامج الناجحة، شاعت برامج سميت ببرامج الواقع، فصارت البرامج الغنائية مثلا تضيف للمسابقة نقلا حيا للمتسابقين، خلف خشبة المسرح، وفي الدهاليز، ليرى المشاهدون طرائفهم ولعبهم ومزاحهم، وأحيانا سخافاتهم، وكيف يقص الحلاق شعرهم!

يشاهد الجمهور كيف أن بعض المتسابقين يصبح أرق خلف الكاميرا، وبعضهم يصبح أكثر طرافة وبعضهم يصبح أكثر حساسية، وبعضهم يصبح أكثر سخافة، وتؤثر هذا المشاهد على حكم الجمهور. وغالبا ما يفوز ليس صاحب الصوت الأجمل، بل من نجح بظهوره الواقعي بإحراز نسبة أعلى من تعاطف الجمهور.

عبر لعبة جديدة اسمها البلوتوث، دخلت المجتمعات لعبة برامج الواقع، فأصبح واقعها أيضا محل تصويت وعرض وانتقاد، بدأت هذه اللعبة يوم انتشرت بين أيدي الناس من عامتهم وطبقاتهم، صغارهم وكبارهم، عقالهم ومجانينهم، المحافظين منهم والمنفتحين، لعبة اسمها البلوتوث، وهي خدمة نقل ونشر وتبادل المشاهد صوتا وصورة. استيقظ المجتمع السعودي، الذي اعتاد محافظوه أن يتكتموا على همومه، ويخبئوا أسراره، وينفوا إشاعاته، على أحداث اجتماعية مسجلة بالصوت والصورة، فشاهد الناس واقعة، مثل ضرب المعلم لطالب صغير بالخيزرانة، أو مشهد خادمة تضرب طفلا، أو شباب مراهقين يتسلون بتعليق رجل كبير من ثوبه على الجدار واللعب به، وقيل إنه أبوهم، ثم شاهدوا واقعة نفق شارع النهضة، حيث شباب يتحرشون بنساء.. شاهد الناس صورة شاب يلحق بخادمة ويصفعها بحذاء على وجهها كنوع من ممارسة الطرافة وخلق مشهد مضحك له ولأصحابه.. شاهد الناس رجلا يضرب عاملا، وشاهد الناس حادثة لشباب يدمون شابا حتى الموت، يقال إن السبب وراءها كانت قصيدة تحط من شأنهم، فما وجدوا للثأر منه غير شج رأسه وإرغامه على تقبيل حذاء أحدهم وقيل إنه مات.

عندما استيقظ الناس على مشاهد كهذه أصيبوا بالرعب، وأصيبوا أيضا بالرغبة في الكلام والتصويت حول ما حدث، لتصبح هذه الاعتداءات قضايا رأي عام، أثير الجدل حول بعضها. البعض رأى أن هذا الجهاز «البلوى توث»، هو البلوى الحقيقية التي جلبت لنا الفضيحة، وليست الفضائح في ما تم اقترافه، وكان يحدث من دون علمنا، حتى جاء هذا (البلوى توث)!

رأى البعض أن الزمن تغير وأصبح لا خير فيه، والبعض الآخر يرى أن هذا البلوتوث لا يعني أن الزمن تغير، بل هو مواجهة شرسة، لكنها حقيقية بما ننام عليه من مشكلات، حان الآن وقت مواجهتها والاعتراف بها، وأن الجريمة لا تقاس في المجتمعات بأعدادها بل بنسبتها، وأن لكل زمان ومكان جريمته وأحداثه التي لا يضبطها غير تحديث القوانين لتناسب الآلات والوسائل العصرية، فالمرور مثلا سن عقوبة لرمي الشاب أية ورقة تحمل هاتفه ضمن جرائم التحرش وإزعاج النساء، لكنه لم يفطن إلى أن الشباب صاروا اليوم يرسلون أرقامهم عبر جهاز البلوتوث، وعلى الرغم من تحول البلوتوث إلى وسيلة يؤذى بها الآخرون، كتصوير الناس والتعدي على خصوصياتهم علنا، واستخدامها أحيانا كشواهد لتصوير جريمة تفضح أصحابها، إلا أن تصريحا تم نشره يؤكد فيه وزير العدل أنه لم يسن حتى اليوم قوانين تخص استخدامات البلوتوث ولا يؤخذ به كشاهد في الجريمة!

[email protected]