يا لله نفسي!

TT

يحتل العراق اليوم مساحة كبيرة من الإعلام العالمي وبالتالي ما ينقله عنه الإعلام العربي، مما أدخل على ساحتنا الإعلامية مفاهيم جديدة وجريئة لم يسبق لنا التعرف عليها، لعل أشهرها تلك الفضائح التي ارتكبها الجنود في الجيش الأميركي والتي حدثت في سجن أبو غريب، لنتعرف بالصورة على فضائح لم يكن العقل المسالم والبسيط يتخيل أنها تحدث.

دوت هذه الفضيحة في المجتمع الأميركي ولاحقت الفضيحة مرتكبيها، ما أعطى اللائمين لجرائم الاحتلال الأميركي أدلة إضافية على حجم الفشل والمصائب التي تسبب بها هذا الاحتلال، كما كشف سجن غوانتانامو عن مفهوم الديمقراطية التي تستطيع أن تضرب بعصاها كل متجاوز لخطوطها الحمراء بينما تقف هذه العصا عاجزة أمام فضيحة غوانتنامو خرساء عمياء. واليوم تأتي الفضيحة الجديدة للجنود البريطانيين الذين يهاجمون عراقيين عزلاً بالعصي ويفترسون ضعفهم البشري بدون رحمة ولا خوف.

هذه الفضائح التي يغيب عن بعضنا أن الإعلام الغربي هو من يلعب دور البطولة فيها، وأنه ما كان لها أن تدوي كل هذا الدوي لولا أن الإعلام يلعب دور كبيرا في بلاد الفرنجة ويمتلك سلطة شديدة التأثير تسمى بالسلطة الرابعة، التي هي واحدة من سلطات تمارس دور التشريع والقضاء والمراقبة، بل ان مدانة مثل المجندة الأميركية ليندي انغلاند، التي صورتها حادثة سجن أبو غريب، تدفع ثمن النبذ والعقاب الاجتماعي في مجتمعها، الذي يعتبر أن ما قامت به لا يدخل إلا في باب انتهاكات الحقوق ووحشية السلوك البربري، ولن يمنحها أحد منهم لقب بطلة لأنها تمثل بالأعداء المحالفين، كما فعل بعضنا مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين منح أصحابها لقب البطولة.

الدور الإعلامي الذي يسلط كاميراته وصحفه وحشوده الفكرية لفضح أعمال، هي في نظر الناس والقانون متوحشة، هو العزاء الوحيد للناس ومصدر لطمأنتهم بأن أصحاب هذه الجرائم مهما بعدوا فلن ينجوا من العقاب. في حادثة العبارة المصرية المنكوبة، التي ذهب ضحيتها ما يفوق الألف شخص، يقرأ المواطن العربي التقارير الصحافية التي نقلت إلينا شهادات بعض الناجين من هذا الحادث، وشاهد بأم عينه تفاصيل ما قبل الأخيرة للموت، وكلها تقريبا تجمع على كيف فر القبطان بمركب نجاة بدون أن يفكر لحظة بأن من واجبه أن يكون هو أيضا قبطان الإنقاذ حتى لحظة اليأس الأخيرة !.

كنت قبل يوم مضى أفكر بأنه ربما كان القبطان هو أكثر من يعرف أن سفينته لا تملك أدنى تدابير السلامة والنجاة، لكنني اليوم قرأت على لسان احد الناجين كيف أن السفينة كانت تمتلك مراكب للنجاة تكفي لإنقاذ بعض من مات. لكن المصيبة تضاعفت حين كف المسؤولون فيها عن القيام بمسؤولياتهم، فلم يكلف أحد من طاقم السفينة نفسه إرشاد الناس لها، بل ان واحدا من طاقم السفينة كان يرد على الركاب بالقول وهو يهرب: فليأكلكم السمك!. كما أكد الشاهد أنه وجد في أحدى الغرف البعيدة عن متناول الركاب مراكب نجاة تكفي لمئات الأشخاص على الأقل، ما يثبت بأن طاقم السفينة بقيادة ربانها لم يبذلوا من المحاولات ما يخمد سؤال أين كان ضميرهم غائبا!.

في ظني أن اللوم والحساب الذي قد يلاقيه جندي يضع رجله في أرض ليست أرضه، ويدافع عن مبادئ للقوة ليست من مبادئ أهل هذه الأرض، ولا يشترك مع هؤلاء الناس في الدين والثقافة، لن يكونا مثل محاسبة مثل هؤلاء من مسؤولين وحراس أمن وأرواح، رموا بمسؤولياتهم وبمبادئهم واحترامهم للقوانين عرض الحائط صائحين بكل مستنجد: يا لله نفسي!.

[email protected]