فتح: جدلية الحكومة والمعارضة

TT

أفرزت الانتخابات الفلسطينية واقعا سياسيا جديدا قد يؤسس لسلطة سياسية ولعلاقات مؤسساتية جديدة، من أبرز مظاهرها التحول فى بنية السلطة من أحادية القوة الى درجة من التعددية السياسية، وبإبراز دور جديد لمعرضة سياسية في إطار من المؤسساتية الشرعية.

وفي اعتقادي أن أي نظام سياسي ديمقراطي في مرحلة التحول، يحتاج الى ركنين أساسيين: أولهما تعددية بنيوية، وثانيهما معارضه سياسية شرعية فاعلة تهدف الى تحقيق التوازن في العملية السياسية، وفي سياق عملية التحول السياسي التي يمر بها النظام السياسي الفلسطيني فالمعارضة السياسية مطلوبة، وتفرضها معطيات سياسية داخلية في مقدمتها ضمان عملية الدوران السياسية ومبدأ تداول السلطة عبر العملية الانتخابية ودوريتها. فعلى مدار سنوات السلطة افتقر النظام السياسي الفلسطيني الى وجود معارضه سياسية شرعية وحقيقية، حيث بقيت المعارضة خارج إطار السلطة، مما دفعها الى اتخاذ قرارات وأفعال خارج الاطار العام للسلطة، فكانت مظاهر التناقض والتعارض، وفي احيان كثيرة التصادم المسلح ما بين السلطة والمعارضة.

أما اليوم فالواقع السياسي الذي أفرزته الانتخابات البرلمانية الفلسطينية مختلف، وأول هذه الاختلافات التحول في موقف فتح من الحكم الى المعارضة، وهذا في حد ذاته ظاهرة ايجابية، الأمر الثاني تحول دور «حماس» من لعب دور المعارضة خارج السلطة الى دور التنظيم المسيطر والمتحكم في عناصر السلطة التشريعية والحكومة، وحقها تشكيل الحكومة كما تشاء، مع ملاحظة تراجع واضح لدور القوى السياسية الأخرى التي حازت عددا من المقاعد «9»، لا تضيف كثيرا لدورها كمعارضة أو مشاركة فى الحكم، وهكذا يبقى دور المعارضة منوطا بـ«فتح» «45».

وعليه يكون من حق «حماس» تولى مسؤولية الحكم كاملة وتحمل المسؤولية التاريخية في تحقيق الاهداف الوطنية الفلسطينية والتي يفترض أن السلطة بقيادة «فتح» لم تحقق الكثير منها.

نحن إذن أمام مسؤوليتين: الأولى برلمانية بتفويض الشعب لـ«حماس» ليقود عملية التغيير والإصلاح وإيجاد حلول للمشاكل الحياتية الملحة كالفقر والبطالة والنظام الاجتماعي وتوفير الموارد المالية اللازمة لإدارة ادارة السلطة. وهذه المسؤولية تتطلب ايجاد إجابة لكيفية المزاوجة بين العمل السياسي والعمل العسكري، والذي عطل عمل السلطة على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث أن «حماس» قد اعطت أولوية للعمل العسكري على حساب العمل السياسي باعتبار أنها كانت خارج السلطة ولا تعترف بها، اليوم المسؤولية اختلفت كما سبق واشرنا، «حماس» فى قلب السلطة و«فتح» تنتظر دورها.

أما من ناحية «فتح» ورغم خسارتها وتراجع دورها ونفوذها البرلماني وتحكمها في السلطة التشريعية ومن ثم في الحكومة، ما زالت تحتفظ بعناصر قوة كثيرة لا مجال لحصرها. ولقد اصبح المشهد أمامها مقلوبا، فهي على مدار السنوات العشر الماضية لعبت دور السلطة دون معارضة برلمانية حقيقية، وواجهت مشاكل القوى والتنظيمات السياسية خارج البرلمان، وفشلت الى حد بعيد في المواءمة ما بين العمل السياسي والعمل العسكري لتأرجحها بين الاثنين، وعدم قدرتها على حسم موقفها بين أحدهما. رغم أولوية العمل السياسي الذي أوصلها الى السلطة. اليوم تجد نفسها خارج الحكومة، وتواجه بالتساؤل: هل ستلعب دور «حماس» في السابق، وهذا يتنافى بالطبع مع واقعها السياسي الذي اسسته وتواجدها في البرلمان، فهي وإن لم تشارك في الحكومة فما زالت تحتل رأس السلطة من خلال منصب الرئاسة، وتحتفظ بكتلة برلمانية لا يمكن تجاهلها، وحتى إذا أرادت أن تلعب دور غير المساهم في القرار السياسي، فمن شأن ذلك أن يفقدها مصداقيتها ويضعف دورها سياسيا.

وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه المعارضة السياسية في ترشيد عملية صنع القرار ومراقبة أداء الحكومة، إلا أن هذا الدور يستلزم الاتفاق على الحد الأدنى من التفاهم السياسي، ووجود حكومة ذات صلاحيات وسلطات سياسية وسيادية كاملة، ونظرا لعدم وجود حكومة فلسطينية بصلاحيات وسلطات كاملة ونظرا لاستمرار سياسة الاحتلال وشمولية المشاكل والتحديات التي تواجه العملية السياسية الفلسطينية، والتعددية السياسية غير المكتملة، أضف الى ذلك الميراث السياسي والتفاوضي الذي وضعت أسسه «فتح»، فإن هذه الاعتبارات والمحددات تلعب دورا في تحديد طبيعة دور «فتح» في هذه المرحلة المفصلية من النضال والبناء السياسي، فمن تفرض التحولات السياسية، ومقتضيات المصلحة الوطنية أن تساهم «فتح» في اتئلاف حكومي يسمح لها من ناحية المحافظة على استمرار العملية السياسية بانتظام وتعظيم الحد الأدنى من الانجازات التي حققتها، ولا ننسى أن هذه المرحلة بكل حيثياتها تعتبر مرحلة انتقالية في التطور الديموقراطي لن تكتمل الا بعد اربع سنوات قادمة. وعليه تبقى المعضلة التي تواجه «فتح» هي في قدرتها على مدى المواءمة والتزاوج ليس بين العمل السياسي والعسكري، ولكن بالتزاوج ما بين استمرار المشاركة في السلطة ولعب دور المعارضة السياسية الشرعية، التي لم يمارسها النظام السياسي الفلسطيني من قبل.

* أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة غزة