انتقائية أخلاقية دولية

TT

كان محزنا الاستماع إلى المؤرخ البريطاني ديفيد ارفينج وهو يعتذر منكسرا وخائفا، بعد أن حكمت عليه المحكمة النمساوية بالسجن بسبب رأي في المحرقة اليهودية قاله قبل سبعة عشر عاما.

الرجل قال إن الإنسان يكبر ويتغير ويتعلم، وإنني كبرت وتعلمت كثيرا، ولكن كلامه لم يصغ إليه أحد، فحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو أمر يدل على مدى التسلط والافتراء الذي تمارسه الصهيونية العالمية، وهو سلوك أقرب إلى الإرهاب منه إلى قراءة التاريخ.

ربما لا نتفق مع المؤرخ البريطاني، بل ونتعاطف مع ضحايا النازية من اليهود، ولكن المسألة أصبحت مسألة أخلاقية دولية هي أقرب للفضيحة، فمن حق كل المجانين والمتطرفين أن ينتقدوا معتقدات الناس وأفكارهم، ومن حقهم أن يقرؤوا التاريخ ويعيدوا قراءته، وينكروا أحداثه سواء بدافع العنصرية أو بدافع الجهل، لكن ليس من حق أحد أن يشكك أو يتكلم عن أي قضية تتعلق بتاريخ اليهود في ظل صمت أخلاقي دولي على جرائم القتل الجماعي للفلسطينيين والأكراد والأرمن وغيرهم، بل إن هناك محاولة لإلغاء هذه الجرائم من ذاكرة الإنسانية.

العالم يواجه ما يشبه محاكم التفتيش في القرون الوسطى، عندما تتعلق المسألة بتاريخ اليهود، والعالم يصمت مرغماً على كل جرائم إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة التي ما زالت تمارس استعمار دول أخرى، رغم كل قرارات الشرعية الدولية الواضحة، وهي دولة تمارس العنصرية على المستعمرات وعلى الفلسطينيين من حاملي الجنسية الإسرائيلية. والمحرقة النازية أقيمت لها متاحف في كل عواصم الدنيا الرئيسية، واستصدرت من أجلها قرارات من الأمم المتحدة، ولسنا ضد ذلك، بل نحن ضد هذه الانتقائية الأخلاقية المخلة والكيل بمكيالين في قراءة المذابح الجماعية في التاريخ وتجاه سلوك دولة إسرائيل.

المؤرخ البريطاني لوحق بعد سبع عشرة سنة، وتم الحكم عليه بالسجن، بينما يموت أريل شارون على فراشه بعد مذابح جماعية قادها بنفسه، وبثتها تلفزيونات العالم كلها، والمسألة في النهاية هي إرهاب دولي، في تفسير التاريخ وفي مواجهة العنصرية.