هشام علي حافظ

TT

التحقت بـ«الشرق الأوسط» منذ 18 عاماً، أي منذ أن تولى رئاسة التحرير فيها أول سعودي، الزميل عثمان العمير. لكن بعد حوالي عشر سنوات لم اكن قد التقيت السيدين هشام ومحمد علي حافظ في اي مكان. فقد حافظت على سلوك مهني بديهي، وهو ان علاقتي هي مع رئيس التحرير، وان من سوء الخلق ان اذهب من خلف ظهره الى الناشر. وذات مرة طلب مني الاستاذ عبد الرحمن الراشد ان افاتح الامير احمد بن سلمان، رحمه الله، في مسألة مهنية، فقلت له، لن اخالف قاعدة اخلاقية قديمة، مهما كانت علاقتي بالأمير احمد.

بعد حوالي عشر سنوات في الجريدة فاتحني الاستاذ العمير بالانتقال الى الصفحة الأخيرة. واعتذرت. وقلت انني لا احل محل احد. غير انه قال ان هذا تدبير اداري بالاتفاق مع الجميع. واضاف ان السيد هشام الحافظ يريد ابلاغك الأمر بنفسه. جلس هشام الحافظ وراء مكتب له كرسيان، لم ارَ مثله في عمري. واخبرني ان المكتب صنع خصيصاً له ولشقيقه محمد. وتحدث عن مسيرته في الصحافة والحياة بصيغة المثنى. دائماً كان هناك شقيقه ورفيقه محمد.

بعد ذلك اللقاء، الذي طلب فيه ان انتقل الى الصفحة الأخيرة، لم ألتقه مرة واحدة كناشر. أصبحت التقيه في «كان» في الصيف، او في بيروت، في ما بعد. ولا اذكر انني وصلت الى منزله مرة، هنا او هناك، إلا وكان يصلي. كما لا اذكر اننا أتينا على ذكر زميل بالنقد. فقد كان هشام الحافظ يتحدث فقط عن الذين يقرأهم ويحبهم ويحترمهم. وكان في السنوات الاخيرة، كما بدا لي، لا يفعل شيئاً سوى القراءة والكتابة، منصرفاً الى ذاته وتأملاته.

ورث هشام الحافظ الصحافة في زمنها الحرفي الاولي، وطار بها الى ضفاف الاحلام. ادرك باكراً مرحلة التطور الاقتصادي في المملكة، فأسس صحيفة انكليزية للجاليات المتكاثرة في المدن. وبعدها رأى ان الصحافة العربية في الخارج هي صحافة «هجرة» واضطرار ومرحلة موقتة، فسعى الى اقامة صحافة مقيمة في الخارج، ليست ذات طابع محلي بل ذات طابع عربي عام، على غرار «الهيرالد تريبيون»، فكانت «جريدة العرب الدولية».

عرف هشام الحافظ أن المشاريع الكبرى سوف تكون موضع حسد صغير ونم صغير، فأدار ظهره للشتامين، وتركهم يصغرون او يختفون، فيما راحت «الشرق الأوسط» تتحول الى مؤسسة ربحية وجريدة توزع في انحاء العالم. ولعله اصبح اكثر سعادة واقل هموماً عندما تخلى عن مسؤولياته اليومية قبل سنوات وتحول الى قارئ عادي، له من الجريدة متعتها، خلواً من الهموم والمسؤوليات.