العراق: هل تحل الفدراليات المشكلة..؟

TT

كما ان عالم ما بعد 11 سبتمبر ليس كعالم ما قبله، فان عراق ما قبل زلزال سامراء ليس هو ذاته عراق ما بعده، اذ سيشكل نقطة مراجعة لكل الثوابت والأهداف والأماني التي تعلق الجميع بها باعتبار ان المشكل في العراق سياسي وان المجتمع ظل بمنأى عنه، ولم يكن في تصور أحد بأن الصراعات السياسية ستتحول الى صراعات اجتماعية، وهذه، واتمنى ان اكون مخطئاً، بداية الكارثة وليس نهايتها، اذ اننا الذين عولنا كثيرا على العملية السياسية، وافترضنا بأن في تقدمها واتساع قاعدتها سينتقل البلد الى وضع الامن والاستقرار، فجاءت المعطيات على الارض لتجهض هذه الافتراضات، بل ولتؤشر بأنه لا امل في ان المزيد من التضحيات والآلام والفرص المفوته سيفضي الى شيء.

هناك من السياسيين من يرى بأن هذه الازمة وضعت البلاد امام طريقين متناقضين، فإما ان تكون بوابة لحرب اهلية او مدخلاً لحل ازمة العراق، وأيضا حذر الرئيس بوش العراقيين من ان امامهم «خيارين: الوحدة او الفوضى الشاملة»، لا شك ان قلوب وارادة جميع العراقيين وجهود العقلاء ومنطق الحكمة وأساسيات وبديهيات العيش المشترك، وبان لا تعارض في التجارب القريبة والبعيدة للشعوب، فإن كل ذلك مدعاة لتطويق الازمة وجعلها منعطفاً باتجاه وحدة البلد، ولكن ماذا لو لم يتحقق ذلك، هــل سيكون البديــل الفوضى والاحتراب والانزلاق الى الحــرب الاهلية؟.

المفهوم ان النظام السياسي او شكل الدولة المتبنى يجب ان يكون في خدمة انسانها وليس العكس، واذا كانت الوقفة اليوم مطلوبة لمراجعة تقسيم السلطات، فان الهاجس ربما يصبح غداً هو وقف نهر الدم وتنظيم الفراق النهائي.

فبعد ان فشلت الديمقراطية في ان تحل ازمة الحكم في العراق، فإن البديل يجب ان يكون في البحث عن صيغ اخرى تبقي لهذا الكيان شكلاً من وحدته وتوقف نزيف ومسلسل اشلاء ابنائه وتجعلهم يعيشون بسلام كباقي شعوب الارض .

ان المشكل في العراق يعود ببساطة وباختزال شديد الى مسألة السلطة، اي الصراع عليها او اقتسامها بشكل مرض للاطراف، وهذا ما فشلت من الناحية العملية في ان تحققه مسيرة الثلاث سنوات الماضية، ولا يبدو ان هناك افقاً لذلك، فلا الانتخابات اوجدت حلاً لذلك ولا تخطي نتائجها والبحث عن معيار آخر سيكون محل اتفاق، واذا كان ذلك على صعيد البنى السياسية العليا، فكيف اذا انتقل الى مفاصل الدولة على المستوى الادنى، والى مؤسسات امنها وتكوين جيشها. لذا يصبح من الضروري البحث عن نظام يستجيب للتنوع الديني والعرقي للمجتمع، وهنا يبدو سيناريو الفدرالية هو الحل لمشكلة المشاركة المزمنة، بان تكون هناك فدراليات تمثل كل منها مجموعة عرقية او دينية تكفل لها سيطرة كبيرة على ادارة سياستها الخاصة وشؤونها الامنية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا كفيل بإزالة مشاعر الاستغلال والخوف وعدم الاطمئنان المتبادل.

اذا كان للفدرالية مخاوفها فان المنعطف الذي وصل اليه العراق وبوادر الانزلاق الى نزاعات طائفية ودينية وعرقية تفضي الى نتائج انفصالية، تقتضي اعادة النظر بهذه المخاوف، ولا ريب في ان المآزق الاخطر في الوضع العراقي هو المشكل الامني الذي يرى دعاة الفدرالية بأنها ستكون حلا له، فيما فشلت المكونات العراقية والقوى السياسية الممثلة لها في الاتفاق على تشخيص مصدر العنف ناهيك عن حلوله، حيث ان المنطقة الغربية وشمال وسط العراق، وهي مناطق التوتر الدائم، تعتبر نفسها ضحية عنف السلطة وهيمنتها، وبأن المشكل هو في حل الجيش السابق وفي اجتثاث البعث الذي اعتبرته اجتثاثا لمكونها، وتنظر الى ما تقوم به الفصائل المسلحة بأنه مقاومة شريفة واجبة التثمين، لذا فإنها لو اصبحت قيمة على امورها، فإنها تستطيع ان تتبنى هذه الخيارات وتخضعها للمؤسسية.

على الجانب الآخر فان جنوب ووسط العراق يعتبر نفسه ضحية لعنف الجماعات المسلحة التي تستهدف ابناءه وتعطل حياته وتلغي اي فرص نمو فيه، وتبدد آماله في التقدم والارتقاء عبر الانتفاع بالثروات التي يختزنها، وفي الوقت ذاته فانه يتطلع الى نموذج كردستان التي شهدت استقرارا ونموا بفضل فيدراليتها، حيث انها المرة الأولى التي يحصل فيها الاقليم على موازنة سنوية بخمسة مليارات دولار، ينفقها الاقليم على خطط تنمية واعدة في حين ان الجزء العربي من العراق لم يشهد مشروعا واحدا يعتد به، بل بقيت العمالة الرخيصة تتدفق من الجنوب الى الشمال، وظل نفطه عرضة للتخريب والتهريب والإحراق.

ومع ذلك فالتخوف من الفدرالية لم يكن ليقتصر على العرب السنة، بل شاطرتهم فيه قوى سياسية هامة في الصف الشيعي، وهي المعول عليها في تكوين جبهة للتقليل من مخاطر هذا الميل، ولكن استمرار زخم العنف ووصوله لنقطة الذروة في تفجيرات الاضرحة، اضعف وفت في عضد القوى المعارضة، وربما سيصبح تكوين الاقاليم تحصيل حاصل، اذ ان الدستور اتاح وبيسر نسبي تكوين الاقاليم عبر تحقق اغلبية معينة في مجالس كل محافظة، يعززها استفتاء ناجح لسكان تلك المحافظة، لذا فان القوى الرافضة او المتخوفة من الفيدراليات دخلت في وقتها المستقطع، الذي حازته لجهة انجاز تعديلات الدستور للشهور الاربعة الاولى من عمر البرلمان، فلو لم يتم حتى ذلك الوقت تغيير جذري وحقيقي على صعيد منسوب العنف، فالدفاع عن بقاء دوامة العنف في ظل سلطة مركزية واحدة تتسم بالعجز، سيصبح صعب التحقق.