المرأة العربية.. هل من شيء تحتفل به؟

TT

يستوجب «اليوم العالمي للمرأة» ككل عام في 8 مارس (آذار) وقفة مع المرأة العربية لنرى إن كان وضعها يستحق الاحتفال؟

وقفة تقليدية وحتى هامشية لن تغير شيئا من واقعي اللامبالاة والتجاهل اللذين تعرفهما هذه القضية الحساسة في دينامكية النمو العربية ومسار تأسيسها لمجتمعات متوازنة.

صمت لم يعد مقتصرا على الساسة (الرجال)، بل على المعنيات بالأمر أيضا. ولست أدري إن كن ينتظرن أو يتوقعن أن تقدم لهن حقوقهن على طبق من فضة.

وإن كنت على غير حق، أين هي المرأة العربية من كل ما يجري في ديارها من شمال إفريقيا إلى حدود اليمن؟ أين هن العربيات اللواتي تمكّن من شق طريقهن في مؤسسات محلية ودولية ليُسمعن رأيهن في ما يستهدف القليل من إنجازتهن للأجيال القادمة؟ أين هن «المسؤولات» والمثقفات العربيات والكاتبات، وأذكر منهن فاطمة مرنيسي ونوال السعداوي وفضيلة مرابط... الخ؟ أين هن لخلق فضاءات الحوار ومناقشة أبعاد انطفاء شعلة الحركة النسائية التقدمية في المنطقة؟

تساؤلات أثيرها تجاه مدى فرص تلكم النساء (الأمهات) المهضومات الحقوق والهوية في تربية نشء حر غير مقموع ـ كما قمعت أمهاته ـ باستطاعته غدا عدم تكرار نكبات أهله وأجداده؟ أي إصلاح تربوي هذا، الذي ننشده فيما يتلاشى الأمل في إصلاح شؤون المرأة من مهدها إلى لحدها؟

ورغم بوادر تطور طفيف في حقوق المرأة، خليجيا، بوصول السعودية إلى الصين عام2006 في سابقة «ضمن وفود رسمية»، يبقى حجم التراجع المسجل عربيا هائلا يعود بكفة ما تحقق إلى الحضيض.

نسب مساهمة المرأة العربية في سوق العمل هي الأضعف في العالم. وحيث تجدها مرتفعة نسبيا، يعود ذلك إلى العمل الحرفي التقليدي أكثر منه اعتلائها وظائف أساسية في مؤسسات بلادها. كذلك، نسب المشاركة في برلمانات ووزارات دولها ما تزال رمزية. وحتى هنا، لما يحصل ذلك، تبقى المهمات التي توكل إلى الإناث ثانوية، لا تضع هذه النخبة في الصدارة حتى يبرز دورها ويلمس تأثيرها.

أضف إلى ذلك، أن تأزم الوضع سياسيا وأمنيا في دول الهلال الخصيب (العراق، سوريا، لبنان والأردن) لن يكون عديم الأثر على اقتصاديات هذه الدول التي تعاني من بطالة مزمنة وتآكل شرائحها المتوسطة. عوامل ستزيد، لا محالة، من تضاؤل فرص توظيف النساء فيها.

لكن الضربة الموجعة، أتت الحركة النسائية، من بلاد الرافدين لما آل إليه حال العراقيات من البصرة إلى كركوك. تلكم النساء اللواتي كن، يوما، مطلع القرن الماضي في طليعة هذه الحركة التقدمية. فبعد أن هضم البعث جزءا من حقوقهن بحروبه المتعاقبة أتى تجار الديمقراطية وأصحاب «العراق الحر» الذين وعدوا شعبهم بدفن الإقصاء كي «يبدعوا» في ممارساته، إذ سمح هؤلاء باختزال الدستور الجديد لحقوق العراقية وتسلم قراء النجوم والأهلة الإفتاء في أمور حياتها، مطلع ألفية ثالثة.

هكذا فإن طفرة الإسلام السياسي وانتشار الأصولية أو هيمنة روحها داخل العراق وفي بقية مجتمعاتنا غدت واقعا «متجددا» يساهم في كبح تطور المرأة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ويهدد مكتسبات العقود الماضية.

لذا تخوفي أن يعلق بحث قضايا المرأة ومساهمتها الفعلية في صناعة القرار العربي خمسين عاما أخرى، لعلً وعسى تنتهي حينها الحكومات العربية وإعلامها، من محاربة التطرف. وأقول إعلامها, لأنه بالفعل, المسؤولية الأكبر تتحملها سياسات الرؤساء والملوك والشيوخ لكن الإعلام العربي، السلطة الرابعة، يتحمل، أيضا، مسؤولية تاريخية في ما يؤول إليه الوضع في المنطقة من انحدار حضاري في غياب الحوار والطرح الموضوعي للمسائل الحيوية التي هُمشت أمام التطرف الأصولي وقضايا تحرير الأرض ونحن الذين لم نتوصل إلى تحرير أنصاف مجتمعاتنا.

إلى ذلك، أي صورة وصوت ترى وتسمع، عن المرأة العربية، على قنواتنا المحلية والدولية عدا تلك التي «تعلبها» في قالب معضلة دينية.

ويبدو لي صعبا على القائمين على هذه المشاريع الإعلامية أن يفسحوا ذات الفضاءات للصوت الآخر، للكاتبات اللواتي، أشرت إليهن، للحديث بلغة العقل والتحليل المنطقي بحكم تخصصاتهن، دون موعظة في الدين أو في الوطنية، عن حيوية الاعتراف بالمرأة كمواطنة كاملة الحقوق والواجبات في بناء مجتمعاتها. ذلك شرط ألا نأتي بعدها، طبعا، «لتشطينهن» وتكفيرهن واتهامهن بما لا يرضاه العقل ولا الخاطر. فمثل خطابي، أو خطابهن، غالبا، ما يتهم خطأ بمحاولة «تغريب» العربية للانتقاص من أصالة هوية المتحدثات العربية الإسلامية، عموما، وعدالة المطلب.

لكن لا بأس، لأننا لو دققنا في الأمر، فسنرى أن «التغريب» لم ينتظر واحدة منهن ليعم كافة مظاهر الحياة العربية، التي هربت منذ زمن عن حياتها «الشرقية» في الجبال والبادية.

الحقيقة، من دون الغوص في المسألة، مجرد خوف من التغيير. هذا، التغيير الذي نطالب به حكوماتنا حتى تكون حرة ـ ديمقراطية، بينما الكثير منا غير قادر على تحمل التغيير أو العيش بمفاهيمه. علما أن المرأة، هي محرك أو كابح التغيير ومدى ترقية حقوقها سيحدد، أيضا، مدى ترقية وتحرير تطور الرجل العربي.

فضلا عن ذلك، فإن المرأة هي التي ستُحدد طبيعة الدولة (عصرية أم تقليدية) التي يريدها العرب لأنفسهم اليوم أو غدا في عالم تربطهم به مواثيق دولية تجبرهم على احترام حقوق الإنسان. خصوصا، لما تكون ذات المسائل في محك مُعطيات التقارب والنفور في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب، أو علاقات الغرب بالشرق.

ومسار التنكر لحقوق المرأة وتأخير مواجهة مسؤوليات اليوم الى الغد لم يكن خاليا من العواقب. إذ أن غياب الرؤية في إدارة وتهذيب حركة نمو سوية للمجتمع أدى إلى انتشار مظاهر الانفلات والتشرد الأخلاقي والشخصي بين فتيات الأجيال المتعاقبة. هذه الظواهر والمظاهر التي لم تبخل القنوات العربية في نقلها، لا تلقى منها ومن غيرها ذات الاهتمام لبحث ومناقشة تناقضاتها الصارخة داخل مجتمعات تدين بشيء وتقول شيئا وتفعل أشياء أخرى.

وليس انتقاصا ولا افتراء إن قلت إنه صعب على أي زائر للمنطقة ألا يرى حالة الانفصام التي تعاني منها بعض هذه المجتمعات. ففي المجتمع الواحد لديك العلني والسًري والرسمي وغير الرسمي ومجتمع «الأنفاق» والواجهة. مجتمعات، تبدو غير سوية مع نفسها وطموحاتها ولو أنً الخلل ليس فيها بل في الساهرين على صياغة حاضرها ومستقبلها من دون تمعن ولا بصيرة.

والحكمة، ربما، في بيت الشاعر:

الأم (المرأة) مدرسة إذا أعددتها... أعددت شعبا طيًب الأعراق

وماذا إن لم نعد أيها الشاعر؟

[email protected]