حديث صحافي

TT

الصحافة العربية مرت بمراحل مهمة ومختلفة لا يجب إغفالها حين تقييمها. فهناك المرحلة المصرية والتي برزت فيها جدلية محمد حسنين هيكل ورصانة وحصافة أحمد بهاء الدين. وطبعا كانت هناك المرحلة اللبنانية التي برزت فيها مهنية غسان تويني ومثابرات طلال سلمان واعتمادية ميشال أبو جودة ومحاولات سليم اللوزي وكامل المروة. واليوم تغيرت الصورة وحلت المرحلة السعودية بقوة على الساحة فظهرت المنتديات الناجحة جدا، ولم يعد بالامكان إغفال أسماء مهمة ومؤثرة مثل عبد الرحمن الراشد صاحب أهم عمود سياسي في الصحافة العربية اليوم، أو خالد الدخيل أهم باحث في الاجتماع السياسي، ولا مشاري الذايدي ومنصور النقيدان وعبد الله بن بجاد وفارس بن حزام ويوسف أبا الخيل وابراهيم البليهي ومحمد المحمود، والذين باتوا مرجعية استثنائية لتفتيت الفكر الارهابي المجنون. وبالطبع لا يمكن إغفال مهنية وحرفية طارق الحميد وعبد الوهاب الفايز وجميل الذيابي وجمال خاشقجي، (وهذا الأخير حرمت منه الصحافة نتاج تدخل الرأي المتطرف المتشنج ضده).

وطبعا الصحافة العربية بصورة عامة فيها تألق لافت، ففي مصر لا يزال سلامة أحمد سلامة يمثل النموذج المهم للعمود الصحفي المخضرم والمسؤول، وهناك مجدي مهنا بقلمه الحار والجريء والموزون، وفي لبنان لا يمكن إغفال سمير قصير وجبران تويني اللذين رحلا بعد أن ملآ الدنيا بريشة قلميهما.

وهناك طبعا العديد من الأسماء اللافتة والمهمة في مناطق عربية مختلفة. ولكن الصحافة العربية تحديدا أو الاعلام العربي عموما تمر بتحدٍ جديد، وهو حماية حقوق الصحفي كمبدأ قانوني وتشريعي.

ففي الكويت ومصر هناك محاولات مهمة جدا لمنع سجن الصحفي والعمل على عدم ايقافه عن الكتابة، لأن شخصا ما أو مسؤولا ما لم يعجبه ما كتب أو لم يفهم مقصده بما كتب. الصحافة العربية لم ينتقل مفهومها من خانة السرد والنمطية الاخبارية الى دورها كضمير للمجتمع والحس الرقابي له. وما عجزت عن التعامل معه الدول العربية هو الاعتراف بضرورة وجود إعلام حر ومسؤول بدون تدخل، سوف يدفع ثمنه غاليا ويكون هذا الأمر «ثغرة» للغير في توصيل الرسائل المختلفة والخطيرة.

فحالة الهلع من الصحافة الحرة هي التي جعلت تأميم الصحف, كما جرى في مصر والعراق, وتجريم العمل الصحفي الحر واعتباره عملا تخريبيا «ينشر فضائحنا أمام الغير» بدلا من اعتباره نقدا بناء يحث على الاصلاح، وجعل كل ذلك عملا عاديا بل ووطنيا في بعض الأحيان. وضع الصحافة العربية لا يزال بحاجة لمراجعة تشريعية جادة تسمح بحرية النشر وحماية ذلك واعتبار ان رسالة الصحافة من ضروريات بناء المجتمعات السليمة والسوية. وطالما استمرت الصحف في العالم العربي ينظر اليها على أنها بوق رسمي لترويج وتسويق أفكار بعينها، فقدت المجتمعات مصداقيتها، وهذا لعمري عظيم وباهظ الثمن.

الصحافة الحرة والمسؤولة هي مجموعة تشريعات ومفاهيم توضع من اجل تفعيل دور الآلة الاعلامية لبناء المجتمعات، وطالما فقدت هذه المفاهيم، ستظل الصورة ناقصة وبالتالي يكون البناء مهزوزا.