القمصون وقواعد اللعبة

TT

يتساءل كثير من شيعة العراق، كيف ان هذه الاقلية السنية العربية حكمتهم كل هذه القرون. الجواب هو ان السنة لم يكونوا اقلية خلال ذلك. كانوا يشكلون الاكثرية حتى اوائل الحكم الملكي، ولكن الشيعة بنشاطهم وعزيمتهم استطاعوا ان يستثمروا حريات العهد الملكي في تحويل شرائح كبيرة من السنة الى المذهب الجعفري حتى اصبحوا هم الاكثرية الآن. وتصرف بعض قادة السنة بكل رعونة خلال القرن الماضي، حتى فلت الحكم ايضا من ايديهم.

بالطبع ما من انسان يرتاح لضياع شيء من يديه، لا سيما وان هذا الشيء يتمثل بكل ثروة العراق النفطية. يصعب عليهم تقبل ذلك. لا ادري ان كانوا يحاولون ارجاع عقارب الساعة الى الوراء الآن بهذا العنف والارهاب. ان كان ذلك من فعلهم وليس من فعل تدخل خارجي.

سيكون من الحمق بهم محاولة استعادة الحكم بالقوة. فالشيعة الآن مسلحون ومدربون ويكونون الاكثرية وستمدهم ايران بالمال والرجال والسلاح، اذا حاول السنة تحدي هذا الواقع فسيغرقون البلاد في بحر من الدماء وسيخسرون الحرب الاهلية على اكثر احتمال في الاخير.

تقتضي الحكمة منهم التعامل مع الامر الواقع. كان بودي ان انصحهم بالمثل الانجليزي الذي يقول: «اذا لم تستطع الانتصار عليهم فانضم اليهم». يخطر لي ان خير مخلص من هذا المأزق هو ان يتحولوا جميعا الى اعتناق المذهب الجعفري، لا سيما ان الفوارق بين المذهبين في العراق طفيفة جدا. ومن المألوف تماما ان تجد شيعيا يتسنن وسنيا يتشيع لأتفه الأسباب ويتزاوجون بنفس الدرجة من السهولة وعدم الاكتراث.. حل معقول؟ فاذا اصبح كل العراقيين شيعة، فانهم لا يلبثون ان ينقسموا الى شيعة اثني عشرية وشيعة اسماعيلية او زيدية او علوية. فالفكرة الاساسية في العراق هي الانقسام. وهذا مثل كرة القدم تماما، التنافس على المنصب مثل التنافس على الكأس. لا يمكن ان نجري المباراة اذا كان كل اللاعبين يلبسون نفس القميص بنفس اللون. لا بد من فريق يلبس احمر وآخر يلبس اخضر. وعندئذ يفوز احد الفريقين بالكأس في كرة القدم وبالنقط في عالم السياسة حسب لون القميص.

وطالما اصبح الفريق السني اقل عددا، وبالتالي اضعف من الآخر، فعليهم ان يفكروا بلعبة اخرى. عندما كان الشيعة واليهود والنصارى يشكلون الاقليات الخاسرة، فقد توجه الشيعة للزراعة واليهود للتجارة والنصارى للطبابة. واستغل الشيعة نزوح اليهود من العراق فحلوا محلهم في التجارة وسيطروا على سوق الشورجة.

اما الآن وقد راح الشيعة يلهثون وراء المناصب، فهذه هي فرصة السنة لتسلم التجارة منهم، اعتقد ان هذا هو الطريق الاسلم والانفع للسنة، وهو ان يتوجهوا للتجارة والمهن الحرة، الطب والمحاماة والهندسة ونحوها من المهن ليفلحوا ويشقوا لانفسهم مستقبلا جديدا. ولضمان النجاح هنا، عليهم ان يكافحوا من اجل الديمقراطية والليبرالية، فهي الركائز لازدهار التجارة والمهن الحرة.