حكومة حماسية لا تُسهّل حكم حماس..!

TT

اللائحة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف اسماعيل هنيّه الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تضم 24 اسما من حماس، ولا توحي بأنها حكومة من اجل الاستقرار في الشرق الاوسط. والتوافق اجمالي بأن الاحتمالات لا تبشّر بالخير، إن كان للفلسطينيين او لعملية السلام بحد ذاتها.

لم يستطع هنية خلال الايام الماضية اقناع اي من اعضاء تنظيم فتح في الانضمام الى حكومته، وما كان يمكن لمحمود عباس ان يوافق على المشاركة، بعد الخطاب الناري الذي ألقاه خالد مشعل الرئيس الفعلي لحماس في دمشق الاسبوع الماضي، حيث رفض السلام، وأعلن استعداد الحركة للحرب والصراع اذا كانت اسرائيل تريد أياً منهما. وقد أظهر هذا الموقف صراعاً خفياً سيطفو قريباً على السطح ما بين جناح حماس الداخلي وجناحها الخارجي. لكن هذا الصراع الذي بدأ، لم يحرم هنيّة من إظهار فرحه العارم وهو يقدم تشكيلة حكومته الى ابو مازن، فالسلطة مثيرة اينما كانت، ومهما كانت الظروف التي تحيط بها.

تجدر الاشارة، الى ان لا اسرائيل ولا الغرب قادران على الالتفاف على حماس، لأن فوزها كان الاكثر ديموقراطية في المنطقة، لكن، اذا رغبت الحكومة الجديدة بعدم السير في التحدي المعتاد الذي اندفعت فيه اخيراً مع قرب الانتخابات الاسرائيلية، فإن عليها تغيير برنامجها، القائم حالياً على تدمير اسرائيل من اجل تسهيل الاتصالات الدولية بها من جهة، وبالتالي تسهيل اتصالها باسرائيل من جهة اخرى.

لقد نجحت حماس في اول تجربة لضبط النفس أُخضعت لها اخيرا، ذلك ان اقتحام سجن اريحا المنظّم حمل في طياته امرين.

الاول: دعماً لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، كزعيم قادر وقوي، بعيداً عن ظل آرييل شارون، والثاني: اختباراً فعلياً لحماس، وعما اذا كان يمكن استفزازها قبل تشكيل حكومتها، علً رداً بالصواريخ مثلاً، يفشّلها من اول الطريق، خصوصاً ان اقتحام السجن جاء وحماس كانت تجري اتصالات مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لاقناعها بالمشاركة في الحكومة.

بالطبع، لا حماس فقدت رباطة جأشها، ولا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وافقت على الاشتراك، لأنها جزء من السلطة الفلسطينية الموقعة على اتفاقيات سلام مع اسرائيل، ونظرا لاعتمادها المالي على السلطة..

حدث سابقاً ان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية كان يُنظر اليه على انه ارهابي، لكن لا تبدو الامور واعدة الآن مع حماس، فالجهود التي بذلتها، انطلاقاً من الحاجة، لتشكيل حكومة موّسعة لم تسفر عن اي نجاح، وسيضطر الاسلاميون الفلسطينيون على ان يحكموا بمفردهم، هم الذين ما كانوا يطمعون الى تحقيق الفوز الساحق، فقد كانوا يأملون بتشكيل كتلة برلمانية معارضة تستطيع ان تعرقل القوانين التي لا تناسبها، فإذا بالنتائج تأتي عكس ما يشتهون، لأن الكتلة المعّطلة لاحقاً للقوانين «الحماسية»، ستشكّلها فتح.

اول ما برز مع تشكيل الحكومة ، ان حماس ليست على نضوج سياسي بما يكفي للاعتراف بالدولتين كحل، وهي قد تكون سقطت في الفخ الذي سقطت فيه من قبل منظمات اسلامية اخرى مثل حزب الله في لبنان، وهو فخ سوريا وإيران. إن مجموعة فتح ، لا بد ان تراقب حماس وهي تتخبط لتنظيم اوضاع المناطق الفلسطينية التي تعتمد مالياً على المساعدات الخارجية، وإذا كانت حماس نجحت في امتحان المواجهة العسكرية مع اسرائيل، الا انها لا تزال تتخبط في مسألة فتح المعابر التي اغلقتها اسرائيل فشح بسبب ذلك توفر الغذاء، وقد تعلن بعض المصانع عن افلاسها نتيجة تعذر تصدير الخضار والفاكهة الفلسطينية الى الخارج.

لن يكون مستغرباً ان تؤدي الضغوط المضاعفة الى محاولة حماس مجدداً تشكيل حكومة اتحاد وطني... وإذا لم يحصل هذا، فليس من خيار امام ابو مازن الا قبول حكومة من حماس. لكن بعدم مشاركتها، انقذت فتح العالم الغربي من مشكلة، لأنه لو ضم هنية اعضاء من فتح في حكومته، لتفاقم الضغط المعنوي والأخلاقي على الغرب وعلى اسرائيل. ويمكن القول ايضاً ان رفض فتح التعاون مع الحكومة الجديدة، يعود لاعتقادها بأن حماس، وبعد فترة وجيزة ستعزل نفسها دولياً اذا لم تجر تعديلات جذرية في برنامجها السياسي. من حق فتح سياسياً ان تفكر هكذا، لكن تصرفها أتى على حساب الشعب الفلسطيني، وقد لا يُبقي هذا التصرف على محمود عباس في الحكم.

بدل ان يعمد هنية، بعد رفض فتح المشاركة، الى تشكيل حكومة من تكنوقراط وخبراء، مال الى اختيار المتشددين من حماس.

لكن ما موقف اسرائيل من التطورات الحكومية الفلسطينية الاخيرة؟ يوضح مصدر غربي، انه طالما ان حماس لم تغير ايديولوجيتها القائمة على انشاء دولة فلسطين من نهر الاردن حتى البحر المتوسط، ولم تتبن الاتفاقيات السابقة الموقعّة بين الفلسطينيين واسرائيل، فان ذلك يعني تدمير اسرائيل وهذا لن يقبل به العالم.

ومن ناحيتها تنوي اسرائيل اعطاء حماس فرصة رغم الشكوك في ان تغّير من مواقفها، وكانت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تزيبي ليفني قالت خلال جولتها الاوروبية الى فرنسا والنمسا وبريطانيا ان اسرائيل لا تستثني التفاوض مع اي طرف شرط ان يلبي الشروط الدولية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، وبشرعية وجودها وبنبذ العنف. أما لماذا تبدي اسرائيل الكثير من الاستعداد للتحادث مع حماس اذا اعترفت بهذه الشروط؟ يقول المصدر الغربي، ان ذلك يعود لمعرفتها بأن حماس لن توافق، فهذه الشروط ضد طبيعتها. ويطرح الاسرائيليون سؤالاً حول حلفاء حماس: ايران التي تسعى الى تدمير اسرائيل، وتستعمل حماس كرأس حربة لذلك، وسوريا التي لا تريد الحرب انما تريد التسبب بالمشاكل لاسرائيل. ثم هناك الاخوان المسلمون، فحماس جزء اساسي من الاخوان وبالتالي فانها ليست حركة اسلامية محلية، ولا تعتمد الخط البراغماتي الا لهدف معين.

والمثل على ذلك حسب محدثي، تصريح اسماعيل هنيّة لشبكة سي.بي.اس. الاميركية بأنه يأمل باتفاق سلام مع اسرائيل، وانه يدين الارهاب. لكن الحركة نفت بعد يومين ان يكون قال ذلك (بالصوت والصورة). ويقال ان خالد مشعل ضغط على هنية لكي ينفي، والغريب ان مشير المصري النائب على لائحة حماس أنبّ مركز الاعلام الفلسطيني لنقله مثل هذه التصريحات «المزيفة». وفسر البعض ان ضغوطاً ايرانية وسورية تُمارس على حماس للتخفيف من خط بعض سياسييها البراغماتي.

ان توقيع السلام بين اسرائيل وحماس ليس مطروحاً على الطاولة الان، كما يقول محدثي، إذ تعتبر اسرائيل ان اسهل شرط هو قبول حماس بوجود اسرائيل، لأن عليها قبل ذلك، التخلي رسمياً عن العنف، وزعزعة بنيتها التحتية العسكرية، وجمع كل الاسلحة غير الشرعية وان تتبنى كل الاتفاقات السابقة وعلى رأسها خريطة الطريق.

ان حماس، في حال تغلبها على المشاكل الفلسطينية الداخلية تعتقد ان باستطاعتها تلبية الحاجات اليومية للشعب الفلسطيني. يمكن لحماس توفير المال المطلوب لذلك، لكن هناك من يجزم بأنها لن تستطيع تحقيق طرحها البعيد، وهو اقامة الدولة الفلسطينية على كل اراضي فلسطين.

ففي الظرف الحالي لن تعترف اسرائيل بحكومة «حماسية»، وستعمل على اقناع المجموعة الدولية بحذو حذوها. وليس كافيا ان تعلن حماس انها دولة، بل عليها الحصول على اعتراف الامم المتحدة بها، وتؤكد اسرائيل انها لن تسمح لحماس بفتح مطار غزة، او تشغيل المرفأ، ولن تستطيع منح تأشيرات بمعنى ان الفلسطينيين لن يمكنهم زيارة نابلس او جنين، او تل ابيب ، او يافا من دون موافقة اسرائيلية. وتقول اسرائيل انها اذا توصلت الى اتفاق مع حماس لتطبيق خريطة الطريق، فإن دولة فلسطينية ستقوم بمطار ومرفأ وحدود.

فهل تفاجئ حماس حزب كاديما المتوقع فوزه في الانتخابات، بالموافقة على شروط السلام الثلاثة، لا سيما ان ايران تنظر الى تحالفها مع حماس «السنية» على انه تحالف تكتيكي، وليس تحالفا استراتيجيا كتحالفها مع حزب الله في لبنان والأحزاب الشيعية في العراق.

وبعد، من قال ان زمن المفاجآت قد ولىّ؟