قمة التحديات العربية في الخرطوم

TT

في الثأمن والعشرين من هذا الشهر تتشرف العاصمة السودانية بعقد القمة العربية في ظروف بالغة الاهمية بالنسبة للسودان، وللعلاقات العربية ـ الافريقية، والعلاقات العربية ـ العربية ايضا.

على الصعيد العربي امام القمة المخاطر المحدقة بالعراق والتي وصلت مشارف الانزلاق للحرب الاهلية، فضلا عن ظواهر المتغيرات في الموازين الدولية بما رشح من تقارب ايراني ـ أميركي عبر مسالك العراق! وهناك الحصار المضروب على سوريا والعلاقات السورية ـ اللبنانية المتفجرة، وفوق هذا وذاك القضية الفلسطينية، وما ترتب على فوز حماس من ضغوط دولية وحجب للمعونات الدولية، وكيفية دعمها مع المحافظة على وحدة الصف الفلسطيني. كذلك على بساط البحث بعض ما يتعلق باصلاح البيت العربي من مشروعات لاكمال الهياكل المقترحة كانشاء مجلس السلم والأمن العربي، والمحكمة العربية، والنظر في امر التمديد للامين العام للجامعة العربية لدورة اخرى او اختيار امين جديد، وما الى ذلك ازاء كل ما يتصل بتجديد وتطوير العمل العربي.

اما على الصعيد الافريقي فالمأمول ان تترجم القمة العربية شعاراتها المتعلقة بالتكامل والتعاضد العربي ـ الافريقي لكون غالب الشعوب العربية ضمن المنظومة الافريقية، كيانا وارضا، فضلا عن المصالح المشتركة وضرورات تكوين الكيانات الكبيرة وفقا لمقتضيات العصر. فافريقيا البكر افضل الاماكن للاستثمارات العربية واستيعاب فيوضات الاموال العربية في ما يخدم مصالح الجميع.

وهذه القمة على وجه الخصوص مطالبة بمساندة الاتحاد الافريقي ماديا ولوجستيا بسبب السودان العربي ـ الافريقي. فالقوات الافريقية لمراقبة السلام في دارفور تحتاج الدعم البشري بقوات افريقية اضافية وبالتالي فان المطلوب هو ان توفر الدول العربية الافريقية هذه القوات من مصر وليبيا والجزائر وتونس بحسبان ان هذه الدول تتمتع بعضوية الاتحاد الافريقي، كما على الدول العربية القادرة ماليا ان تسهم في دعم ميزانية الاتحاد الافريقي لمواجهة هذه الالتزامات التي حاول المجتمع الدولي ان يستغل تقليصها لاظهار عجز الاتحاد الافريقي وتحويل مهمة مراقبة السلام في دارفور الى الامم المتحدة بمعايير مختلفة يعتبرها السودان ترمي الى تحقيق اجندة خفية وتنتقص من سيادته. وبالتالي فهو يقاوم هذا التحويل، ولا سبيل الى نجاح هذه المقاومة الا بتوفير القمة العربية الدعم المنشود للاتحاد الافريقي مالا ورجالا وعتادا ودعما سياسيا.

وبكل تأكيد انه بنجاح القمة العربية في توفير هذا الدعم للاتحاد الافريقي تكون قد ارست على الصعيد العملي دعائم قوية في العلاقات العربية ـ الافريقية، بل ساعدت كثيرا الكيان الافريقي في عدم الخضوع للابتزاز الدولي، وفتحت آفاقا واسعة لاستمرار التواصل العربي الافريقي في مجالات ارحب، لأن الاتحاد الافريقي يعول كثيرا على تحقيق النجاح في مهمته في دارفور بحسبانها اول مهمة يباشرها عبر مجلس السلم والأمن الافريقي، وفشله فيها بتحويل المهمة الى الامم المتحدة يضعف من شوكته ويرده الى حظيرة الوصاية الدولية!

اذن هذا التحدي يعد محورا مفصليا في العلاقات العربية ـ الافريقية، ولا شك عندي ان العرب سينجحون في هذا التحدي بما ستقدم القمة العربية من دعم منشود يسهم في تقوية الاواصر مع الافارقة ويشد من ازر السودان احد ابرز نماذج الخلطة العربية الافريقية، والتي تواجه الآن امتحانا.

ويبقى المحور الثالث في ما ينتظر القمة العربية، وهو السودان نفسه الذي يواجه تحديا كبيرا في ان يبقى موحدا او ينفصل جنوبه عن شماله، ولا شك ان على القمة العربية يتوقف الكثير ازاء تحديد مستقبل السودان، وربما يتجاوز السودان ليصب في مجمل مستقبل العلاقات العربية الافريقية لاحقا!

معلوم ان اتفاقية السلام التي وقعت قبل عام نصت على حق تقرير المصير للاخوة الجنوبيين، ان شاءوا وطدوا وحدة السودان وان رأوا غير ذلك انفصلوا بعد الفترة الانتقالية، لكن الاتفاقية رجحت الاولوية لخيار السلام وجعل الوحدة جاذبة خلال فترة الانتقال. وطبعا من اول الاولويات التي تجعل الوحدة جاذبة العمل بجهد مكثف لاعادة اعمار ما خربته الحرب والسعي بجد لتنمية جنوب السودان. وهذه الاولوية تعتبر من التحديات الحقيقية لاخوتنا العرب.

لقد بدأت بالفعل بعض الدول العربية تحركا محمودا في هذا الاطار، فها هي الشقيقة مصر أكدت التزامها بالشروع فورا في تنفيذ مشروعات لامداد المدن الرئيسية في الجنوب بالطاقة الكهربائية، ومن قبل وعد الرئيس مبارك بانشاء جامعة وما زلنا ننتظر المزيد منها وهي لن تبخل ابدا.

اما دولة الكويت، فقد وقعت الشركة السودانية الكويتية عقودا بنحو مائة مليون دولار لبناء فندق خمسة نجوم، في جوبا عاصمة الجنوب ولتأهيل الميناء النهري فيها، مع مشروع انتاجي لصيد السمك في منطقة تركاكا. وتلك بداية طيبة، يرجى ان تتوالى النشاطات العربية الاستثمارية في الجنوب لأن في ذلك ما يجعل الوحدة جاذبة ويسهم بقدر جيد في توطيد التعايش والتعاون والتكامل العربي الافريقي. وخير مثال يمكن ان نسوقه في هذا المنحى تعبيرا عن تعاطف الجنوبيين مع الكويتيين، هو ان سلفا كير النائب الاول لرئيس الجمهورية، قد بعث برسالة تعزية في أمير الكويت الراحل، الامر الذي لم يحدث مثله في اي مناسبة عربية اخرى على الاطلاق لأن الجنوبيين يشعرون بعلاقات خاصة مع الكويت لكونها الدولة العربية التي بعيد اتفاقية السلام الاولى عام 1972، اسست مكتبا خاصا بالجنوب للاشراف على مساهماتها المقدرة في تنميته بشتى السبل. وكان من نتائج ذلك العون خلق روابط وجدانية عظيمة مع شعب الجنوب الى درجة سير فيها الجنوبيون في الخرطوم مظاهرات ادانة لاجتياح صدام للكويت وتحلقوا باعداد مقدرة وعلى امتداد ايام بسفارة الكويت في الخرطوم وبسفيرها الصديق الراحل عبد الله السريع الذي من فرط تعلقهم به كانوا يطلقون عليه (عبد الله جوبا). وتلك كانت المرة الاولى والاخيرة في اسهام شعبي جنوبي ازاء قضية عربية.

ان هذا الانموذج الحي لأثر العون المباشر من الاخوة العرب في اعمار الجنوب سيكون المنصة الرئيسية التي ستقف عليها ركائز الوحدة بين شمال وجنوب السودان، ولذلك فان آمال السودان عظيمة في الدور العربي، وفي ان يدفع مؤتمر القمة العربي بهذا الاتجاه عسى ان تكون هذه القمة عنصر استنهاض للسودان مثلما كانت قمة اللاءات الثلاث التي عقدت بالخرطوم عام 1967، قمة للصمود والتصدي العربي بعد الهزيمة.