التفسير الراجح للحرب على العراق: أميركا في خدمة الأجندة الصهيونية

TT

ما هذا النحس الشامل المركب؟

صعدت المديونية الأميركية الى تسعة ترليون دولار.. وهبطت شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش الى 36% (هوت شعبية نائبه ديك تشيني إلى18 %).. والوضع العسكري والسياسي الأميركي في العراق خانق بل قاتل.. وهذا الوضع المظلم هو الذي اضطر الإدارة الأميركية إلى التباحث والتفاهم مع إيران بهدف إيجاد مخرج ينقذ الإدارة مما هي فيه من كرب.. ومما لا ريب فيه ان ايران تدرك حاجة الإدارة الأميركية اليها ولذلك ستملي شروطها أو ترفع سقف مطالب أجندتها: وسوف تعلمون.

وفي حين كانت هذه الإدارة تمارس مغامراتها ومقامراتها: رغبة في (المجد) السياسي والحضاري والتاريخي، فإنها عوقبت بـ (الحرمان) مما ترغب فيه وتهواه وتسخر الإمكانات الأميركية الكبرى من اجل بلوغه والتمتع به.

فصورة هذه الإدارة قد شاهت، ولم تفلح ألوف الأطنان من المساحيق في تجميلها.. مثلا: أليس من المجد الذي سعت إليه هذه الادارة: ان تكون (نموذجا) اجتماعيا وسياسيا وحضاريا للشعب العراقي (كمقدمة لتعميم النموذج في المنطقة)؟.. بلى.. انها سعت الى ذلك: سرا وعلانية. بيد ان هذا النموذج قد انطفأ وشاه منذ البدء، وفي أعين الأجيال العراقية البازغة القادمة التي استهدف النموذج وعيها وأحلامها.. هل أتاكم ـ مثلا ـ نبأ ـ الغلام العراقي أسامة نبيل (10 سنوات)؟.. انه يفكر في ترك المدرسة وهجر التعليم!!.. لماذا؟.. لأن ملامحه العامة تشبه ملامح جورج بوش الابن.. وبمقتضى هذا التشابه: أخذ أقران أسامة في المدرسة يطلقون عليه اسم بوش، فامتلأ الغلام غيظا من إطلاق اسم بوش عليه. وفكر في هجر المدرسة والتعليم وقال: «ما زال أبي يحاول إقناعي بالبقاء في المدرسة، لكن إصرار زملائي في المدرسة على إطلاق اسم بوش عليّ جعلني أشعر بالحزن ففضلت العزلة، وأفكر في ترك المدرسة لأن هذا الاسم أصبح ملتصقا بي وأتمنى الخلاص منه بأية وسيلة كانت»!!

هذه صورة مصغرة من الفشل في (تحقيق المجد) من خلال الاعجاب بالنموذج، وبالقيادة التي تصنعه.

وبتكبير الصورة وتوسيعها: يكبر حجم النحس، ويتسع مداه: بشهادات أميركيين حزانى (منهم محافظون جدد):

1 ـ فرانسيس فوكوياما هو أحد أعمدة (المحافظين الجدد) وقد أسهم بحظ وافر في كتابة استراتيجية (القرن الأميركي الجديد)، أي القرن الحادي والعشرين.. هذا الرجل: أعلن براءته من المحافظين الجدد، ومن عقم أفكارهم وخطورة أفعالهم على حاضر الولايات المتحدة ومستقبلها.. يقول فوكوياما: «ان جورج بوش جعل الحرب الاستباقية أساس سياسته الخارجية، ولم يقدر تقديرا صحيحا ردود الفعل العالمية لغزو العراق، بل توقع ترحيبا عالميا بسياسة الهيمنة.. ومواقف بوش متناقضة. ففي حين تركز ادارته على دور الحكومات في اجراء تغييرات في الشرق الاوسط، يدعو ـ في الوقت نفسه ـ الى التقليل من دور الحكومة في المجتمع الأميركي.. ان الادارة الأميركية بغزوها للعراق خلقت وضعا متوحلا هو الآن قد حل محل أفغانستان كمركز جذب وأرض مثالية للتدريب، وقاعدة واسعة لعمليات المسلحين في ظل وفرة من الأهداف الأميركية التي يمكن تصويب النيران عليها.. وفي كل الاحوال يجب ان يستقيل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد».

2 ـ هل تذكرون (أمير الظلام): المنظر الأكبر للحرب على العراق؟.. انه ريتشارد بيرل الذي قال: لا مستقبل للولايات المتحدة اذا هي تراجعت، ولم تشن الحرب على العراق.. مسعر الحرب ومجرمها الكبير هذا، قال ـ في الذكرى الثالثة لهذه الحرب ـ: «ان الحملة العسكرية على العراق وتداعياتها السياسية والأمنية لم تتم مناقشتها بطريقة سليمة داخل الادارة الأميركية، ولذلك لم نفلح في ادارة الحرب، ولا في ضبط تداعياتها».

3 ـ وليام بكلي اعلامي محافظ ـ بل متطرف في محافظته ـ وهو من اركان المحافظين الجدد في مجال الاعلام السياسي.. ماذا قال هذا الرجل بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب على العراق.. وقد كان من النافخين في موقدها..؟.. قال: «لا يساورني أدنى شك في فشل الغرض من الحرب على العراق. لقد اثبتت هذه الحرب عدم قدرة جيش مؤلف من 130 الف جندي أميركي في احتواء الاعمال العدائية في العراق. ويتعين الآن الاقرار الواضح بالهزيمة».

4 ـ يقول الناقد الأميركي اليميني اللامع: اندرو سوليفان: «لقد تعلم العالم درسا قاسيا إلا انه، كان أشد قسوة على عشرات آلاف القتلى من العراقيين الأبرياء، بالاضافة الى مثقفين تعرضوا للاذلال.. ان الاستجابة الصحيحة لعبرة هذه المأساة الدامية ليست في المزيد من اللف والدوران، بل في الاحساس بالحزن والعار والاعلان عن ذلك. فحالة الفوضى التي يعيشها العراق حاليا تؤكد سوء التقدير الأميركي المبني على مزيج من الغرور والسذاجة».

5 ـ ولئن كانت تلك افكار وآراء (فردية، وهذا لا يقلل من قيمتها حيث ان اصحابها من قاع البئر التي يقبع فيها المحافظون الجدد)، فإن الدراسة الجماعية العلمية السياسية الاستراتيجية الموسعة الشاملة التي انجزتها مجموعة من الباحثين المتخصصين الكبار في جامعتي: هارفارد وشيكاغو.. هذه الدراسة تثبت ـ بالأدلة والقرائن والوقائع ـ (عمق الكارثة القومية) التي دفعت اليها الولايات المتحدة من خلال الحرب على العراق، وعبر سياسات أخرى مماثلة.. وهذه نقط من تلك الدراسة:

أ ـ «ان أميركيين موالين لاسرائيل ورطوا أميركا في مستنقع الحرب على العراق».. ومن قبل قال المبشر المسيحي الأميركي ديفيد بكيل: «ان اليهود يسيطرون اليوم على الولايات المتحدة بسبب ضعف الادارة، ومن خلال ذلك يسيطرون على العالم. وحرب العراق خير نموذج لذلك، فبول وولفويتز هو الذي أقنع جورج بوش بالذهاب الى الحرب بعد ان أغراه بأنه سيزيد الارباح الأميركية في مدة سنة واحدة بما يتراوح بين 50 الى 100 مليار دولار».

ب ـ «ان سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط تخدم اسرائيل ولا تخدم المصالح الأميركية الا على المدى القريب ولا على المدى البعيد».. ومن قبل قال زبغنيو بريجنسكي المفكر الأميركي الاستراتيجي الشهير: «ربطت الصحافة الأوروبية بشكل يتفوق على الصحافة الأميركية بين سياسات الإدارة الأميركية الحالية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وبين المقترحات التي قدمها العديد من أصدقاء حزب الليكود الإسرائيلي عام 1996 لرئيس الوزراء الاسرائيلي حينئذ بنيامين نتنياهو، وأصدقاء الليكود هؤلاء يشغلون الآن مواقع مؤثرة في الإدارة الحالية، وهم أنفسهم السبب في الاصرار على شن حرب على العراق».. ومن قبل قال ـ أيضا ـ الدبلوماسي الأميركي البارز ريتشارد هولبروك: «بعض أعضاء الإدارة الحالية يتصرفون بقصر نظر. فهل من العقل والضمير والأمن الدولي: أن يصبح العالم كله ضحية لحفنة «!!!» من الناس لا يكترثون باستقرار العالم، ولا تهمهم مصلحة الولايات المتحدة نفسها»؟.

ولقد نُصحت الإدارة الأميركية بالكف عن هذه الحرب العقيم من الناحيتين: التخطيطية والتنفيذية.. وهذه منظومة من النصائح الواضحة الجادة العقلانية التي كان باعثها: الحرص على مصالح أميركا وصورتها وسلامتها:

1 ـ تقدم ثلاثة عشر ألف أستاذ جامعي أميركي بمذكرة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش يدعونه فيها إلى «الامتناع عن شن حرب على العراق، والى التبصر في العواقب والمآسي والتداعيات الخطرة التي تترتب على شن الحرب».

2 ـ اصدرت مجموعة من صميم عصب الحزب الجمهوري هم رجال أعمال وأصحاب شركات كبرى، بياناً قويا معارضا للحرب قالوا فيه: «أيها الرئيس. لقد ايدنا حرب الخليج، والتدخل العسكري في أفغانستان، ولكن حربك ضد العراق ليست عادلة. وحين كنت مرشحا في انتخابات عام 2000 دعمناك لأنك وعدتنا بأنك ستكون أكثر تواضعا في التعامل مع العالم. لقد منحناك أصواتنا وتبرعات شركاتنا المالية. ولكن نشعر أنك خدعتنا، ولذلك نطالبك بأن تعيد أموالنا إلينا، وان تعيد بلادنا المختطفة.. لماذا تقودنا الى وضع حتمي الفشل»؟.

3 ـ «إن الولايات المتحدة ستخسر حلفاءها في الحرب ضد الارهاب اذا شنت حربا على العراق»: برنت سكو كروفت مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب.

4 ـ شاركنا في نصح الإدارة الأميركية في هذه القضية: بدافع كراهية الحروب، وبباعث محبة الخير والسلام لنا وللأميركيين وللعالم كله. فبتاريخ 16/11/2002 كتبنا في هذا المكان نفسه.. «ان اجتناب الحرب مكسب وراحة وخير للمنطقة كلها. فالعراق جزء منها يؤذيها ما يؤذيه. ثم بسبب الحروب والقلاقل والصراعات: تعطلت التنمية، وتعثر النهوض، ومما لا ريب فيه أن حربا جديدة ستزيد البلاء، بل ستدخل المنطقة في مناخ كريه من الاضطراب والفوضى.. نعم لا مصلحة لأحد في هذه الحرب: لا مصلحة للعراق.. ولا مصلحة للعرب.. ولا مصلحة لأميركا.. ولا مصلحة للعالم.. صاحب الهوى الوحيد في هذه الحرب هو المؤسسة الصهيونية: في فلسطين والعالم».

لقد سقطت حجج (الحرب) كافة: بشهادات أميركيين وطنيين أحرار، لا يقلون وطنية عن وطنية الطبقة الحاكمة: ان لم يتفوقوا عليهم فيها.

وبسقوط الحجج والتعلات كافة: لم تبق الا حجة أو تفسير واحد هو: ان الولايات المتحدة سخرت لخدمة الأجندة الصهيونية: أو «ان اليهود الأميركيين هم المسؤولون عن دفع الولايات المتحدة الى الحرب على العراق، وان زعماء اليهود يمكنهم منع الحرب اذا ارادوا ذلك»: النائب الأميركي، جيمس مورون.

ب ـ «ان الحرب التي تنوي الولايات المتحدة شنها على العراق تندرج في مخطط إقامة اسرائيل الكبرى، وان اللوبي الصهيوني في الإدارة الأميركية هو الذي يدفع بقوة واستماتة في اتجاه الحرب» المفكر الأميركي، مايكل كولينز بايبر.

ج ـ «بالتأكيد تم دفع خطة غزو العراق بقوة على أيدي عدد من ذوي النفوذ المؤيدين لاسرائيل من شاكلة الصقور الجدد داخل الإدارة وخارجها: ريتشارد بيرل. وبول وولفويتز. ووليم كريستول وآخرون». البروفسور بول شرويدر أستاذ التاريخ بجامعة الينوي.

د ـ «المسؤولون عن الحرب على العراق هم مخططون آخرون معروفون، ولكنهم لا يخدمون المصالح الأميركية، ولا الأمن القومى الأميركي». الجنرال باستر غولسون.

طوال السنوات الخمس الماضية كنا في ذهول: أين أحرار أميركا وصفوتها الوطنية مما يجري لبلادهم؟. فجاءت (وثيقة) جامعتي: هارفارد وشيكاغو لتثبت أن في أميركا أحرارا شجعانا يرفضون أن تتلاعب الصهيونية بمصائر بلادهم، وينوّرون الرأي العام الأميركي بحقيقة صاعقة مرة وهي: ان بلادهم قد اختطفت ويجب أن تعود الى أصالتها واستقلالها ودورها الدولي المتوازن.