أنت وهتلر وموسوليني

TT

صدق او لا تصدق، ان اختيارك للمهنة التي تمارسها، أو حتى اختيارك لشريك الحياة، يرتبط ارتباطا وثيقا بترتيبك في خارطة مواليد اسرتك. نحن لا نختار متى نولد، ومعنى ذلك ان الابن البكر او الاوسط او آخر العنقود، لا اختيار له في ما يترتب على توقيت ولادته من صفات شخصية او تركيبات سلوكية. فمن المتعارف عليه، ان الابن البكر غالبا ما يكون عالي الطموح، والاصغر غير عابئ بالمسؤولية، اما الطفل الوحيد فله حكاية اخرى.

اول من درس تأثير موقع الطفل في الاسرة، كان العالم النفسي النمساوي الفريد ادلر.

وبعيدا عن الابحاث والتحليلات العلمية، من المتعارف عليه ان الزوجين ينتظران ولادة الطفل البكر باشتياق وحماس وفرح. وحين يخطو اولى خطواته، تنطلق من الحناجر صيحات النصر، وحين ينطق اولى كلماته، يذاع الخبر بدهشة مشوبة بالزهو وكأنه حدث لم يرد من قبل في تجارب الانسان، ومن ثم يكبر هذا الطفل وتكبر معه الرغبة في الفوز بإعجاب الآخرين. فالاستئثار باهتمام الكبار يشعره بنوع من القوة التي لا يريد ان يفرط فيها، وغالبا ما نجد ان هذه الفئة هي الفئة التي تتفوق دراسيا وتحرص على التفوق. هذا الافتراض مدعوم بدراسة اجريت في النرويج على شريحة من الافراد الذين ولدوا ما بين 1912 و1975، وتبين ان نسب التفوق الدراسي أعلى بين فئة الابناء البكر، وانها تتراجع وفقا لترتيب ولادة من يأتوا بعده حتى لو تساوت نسب الذكاء. والطريف ان الباحثين اكتشفوا ايضا ان كثيرين من قادة العالم هم من فئة الابناء البكر، امثال بيل كلينتون وجورج بوش وموسوليني وحتى هتلر. وهناك كثيرون ممن فازوا بجائزة نوبل، يندرجون ايضا تحت هذا التصنيف.

ذلك هو العنصر الايجابي في المسألة، لكن العلم يذكر بأن الابن البكر هو الطفل الذي يستأثر بحب الابوين واهتمامهما لفترة، ثم يأتي طفل آخر فيجد الطفل الاول نفسه مضطرا لاقتسام ما كان له وحده مع طفل جديد. لذلك، ورغم التفوق الدراسي والمهني، لوحظ ان الابناء الأوَل في اية اسرة، يشبون وتكبر معهم صفات القلق والحذر وميل شديد للاحساس بالغيرة التي يصحبها غضب. بينما ينطلق الطفل الاوسط في البحث عن المغامرة، وغالبا ما يكون محبا للسفر والابتكار، لأنه يكتشف مبكرا ان عليه ان يكون اكثر مرونة وان يكوّن تحالفات تؤمّن له ما يريد. اما الاصغر، فهو الذي يراقب وينتقد ما يرى، ويتبنى افكارا ثورية، وكثيرا ما يختار مسارا حياتيا يختلف عن مسارات اخوانه، لكي لا يتعرض للتنافس بينهم ويخسر. ولأنه الاصغر، يكبر متوقعا ان يحمل غيره المسؤولية، ونادرا ما يتطوع بخدمة غيره.

أما تأثير مواقعنا في ترتيب الاسرة على الحياة الزوجية، فيرد ذكره في كتاب لكليف ايزاكسون، مؤداه ان الابن البكر يجب ألا يختار زوجة كانت هي الاخرى اكبر ابناء وبنات ابويها. في مثل هذا الزواج، لا مجال للتواصل ولا مجال للحلول الوسطى. أما افضل الزيجات، فهي التي تعقد بين رجل وامرأة ترتيبهما وسطي في الاسرة. مثلهما يعيش بلا صراعات، زواجهما لا يخلو من الدعابة واولادهما يتمتعون ببيئة منزلية مستقرة توفر الحماية الكافية. ويرى ايزاكسون ان التخلص من تأثير موعد وصولنا الى الارض وارد. فهو لا يعدو كونه استراتيجيات تلقائية يكتسبها الطفل للتعامل مع الابوين والبيئة الاجتماعية المحيطة به. ويمكنه في مراحل النضج المختلفة، ان يتعلم اساليب اخرى للاشتباك مع الحياة. وان افضل ما نكتسبه من معرفة ترتيب كل منا في اسرته، هو فرصة للتعرف على الذات ومعرفة دوافع اولادنا بصورة افضل، حتى نتمكن من التخلص من السلبيات وتنمية الايجابيات.