أخيرا .. احتلالات في العراق

TT

كل الذي قلناه وقاله غيرنا حول التدخل الإيراني المباشر في العراق ماليا واستخباريا، عادت إيران واعترفت به من خلال موافقتها على الحوار المباشر مع أمريكا في الشأن العراقي. ولو لم يكن هناك تواجد فعلي إيراني على الأراضي العراقية وخاصة في محافظات الجنوب التي تتغلغل فيها الاستخبارات الإيرانية وتصرف فيها ملايين الدولارات لدعم جيوب إيران في تلك المنطقة، فما الذي يدفع أمريكا وإيران لإجراء مباحثات حول الوضع العراقي.

المباحثات الإيرانية العراقية لن تكون مباحثات سياسية، فالمواقف السياسية واضحة للطرفين ولا يحتاج الأمر لمباحثات مباشرة، ولكن هذه المباحثات ستكون استخبارية ومعلوماتية، وصفقات بين تدخلات إيران في العراق وبين الضغط على طهران في قضية الملف النووي.

الموقف الأمريكي هو استسلام وتراجع عن موقف سابق ضد إيران، وسر هذا التغير الكبير هو تلك الحقيقة المؤسفة والتي عجزنا ونحن نرددها، والتي تقول إن إيران تسيطر فعلا الآن على مناطق في جنوب العراق وأصبحت جزءا من نفوذها، وهناك دعم لجماعات وأحزاب ومليشيات عراقية تابعة ومتعاطفة مع طهران، وهناك ملايين الدولارات التي تصرف على جماعات وعلى تسليح وتنظيم قوى سياسية متحالفة وتابعة لإيران ..! من حقنا أن نتساءل، بعد كل الدعوات الفاشلة التي دعا إليها كل من يهمه أمر العراق، عن الدور العربي الغائب والمغيب، فلقد سكب حبر كثير من كل من يخافون على العراق منادين العرب وخاصة الخليجيين للتحرك وعدم ترك الساحة العراقية. لقد تأخر العرب كثيرا، تأخروا في الدعم السياسي والتواجد في العراق وتركوا الساحة تنفرد فيها القوى الأجنبية، وبعضهم كان يفعل مثل هذا الفعل السلبي بحجج واهية على رأسها تواجد الاحتلال الأمريكي في العراق. على هؤلاء أن يتعاملوا اليوم مع احتلالين للعراق، الأمريكي والإيراني، وإذا استمروا في سياسة المقاطعة والسلبية فإن عليهم أن يتذكروا انه ليس هناك فراغ في السياسة، وأن كل فراغ لا بد أن يملأ، وإذا استمر الموقف العربي المتفرج على العراق فستقوم كل القوى الدولية والإقليمية بملء هذا الفراغ، وسيجد العرب كلهم والخليجيون على رأسهم، أنهم أمام ورطة في العراق وأنهم سيتعاملون مع قوى عراقية تمارس الاستقواء بالخارج على حساب مصالح شعبها وعلى حساب استقرار العراق والمنطقة.