حماس.. سنة أولى سياسة

TT

للمقاومة رجال وللسياسة رجال، ويخطئ الناس في العالم الثالث حينما يكرمون رجال المقاومة بالمناصب السياسية، ويجهلون أو يتجاهلون أن هذه المناصب يمكن أن تقتات من رصيد هؤلاء حينما تخدش أخطاؤهم السياسية بهاء صورهم النضالية، ويمكن إرجاع جل الإخفاقات التي شهدها العالم الثالث في النصف قرن الماضي إلى مثل هذه المكافآت التي يحصل عليها الثوار ورجال المقامة وعسكر الانقلابات، الذين يجدون أنفسهم غرباء في أدوار سياسية واقتصادية وتربوية وتنموية لم يعرفوا شيئا عنها من قبل، وكان على هؤلاء أن يدركوا أن ثمة رجالا للسياسة وثمة رجالا للمقاومة، وأن ثمة رجالا للحرب وآخرين للسلم، وهذا الخلل أو هذا الجهل الذي اجتاح العالم الثالث ترجع إليه مسؤولية غياب الرجل المناسب عن المكان المناسب في الزمن المناسب.

وفي التجربة الفلسطينية تجسيد للمثال حينما تقاسم مناضلو منظمة التحرير الفلسطينية قيادات مؤسسات الدولة، فجعلوا من أنفسهم دبلوماسيين واقتصاديين وأمنيين ومفكرين سياسيين إلى آخر قائمة التخصصات التي توهموا أن لهم حق اكتسابها بالحق النضالي رغم ثراء المجتمع الفلسطيني بشخصيات يمكن أن تقود مرحلة بناء الدولة وفق منظومة من الخبرات التخصصية المناسبة.. وها هي حماس ترتكب نفس الخطأ أو الخطيئة بمكافأة رجالها بأرفع المناصب وأهم الأدوار، ولنأخذ محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني كمثال، فهو شخصية لها تاريخها النضالي، وقد لعب دورا بارزا في صفوف «حماس» كحركة مقاومة، لكنه قد وجد نفسه في منصب وزير الخارجية في مواجهة أعباء دور لم يعد له مسبقا ولا صلة له بمكونات تجربته أو تجاربه الماضية، وكانت أولى إخفاقاته تلك الرسالة التي وجهها للأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان والتي تشير إلى أن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ستقضي على أي آمال لتحقيق التسوية والسلام على أساس حل الدولتين، لكنه لم يلبث فور تنبهه للمأزق الذي وضع نفسه فيه أن تنصل من ذلك القول الذي يتناقض مع مواقف «حماس» المعلنة، وعاد ليلعق محتوى رسالته نافيا القول بحل قائم على أساس دولتين، لا بل ذهب في تخبطه إلى حد توزيع نسخة معدلة من الرسالة للصحافيين تعكس هذه الازدواجية في الخطاب، ولنا أن نتخيل تأثير هذه الإشارات المتناقضة على كوفي أنان ومنظمة الأمم المتحدة.. وللزهار نفسه يوم الجمعة الماضية موقف ثالث عبر عنه خلال مقابلة مع صحيفة «تايمز» اللندنية طرح عبرها إمكانية إجراء استفتاء شعبي حول مسألة الاعتراف بإسرائيل وحول إمكانية تعايش دولتين.

أفلم يكن أولى برجالات حماس أن يكتفوا بمجد نضالهم وأن يبحثوا لهذه المناصب عن رجال من العمق الفلسطيني لهم خبراتهم وتخصصاتهم التي يمكن أن تصبغ هذه المرحلة من حكم «حماس» بكفاءة الأداء ومنهجية التحرك؟!

[email protected]