عفوا يا ديمقراطية

TT

قبل عدة اشهر كان العالم وعلى رأسه أميركا يأمل خيرا في اقامة الديمقراطية البرلمانية في الشرق الاوسط. اخذوا الآن يعضون اصابعهم. هناك الآن فريق كبير من اعضاء الكونغرس يلومون بوش على هذه التجربة الفاشلة. فالنتائج التي اعطتها الانتخابات جاءت مناقضة لمصالح المنطقة ومصالح أميركا والعالم.

يجرني هذا الموضوع للتجربة التي مرت بها سلطنة عمان في اوائل نهضتها الحالية عندما تسلم قابوس بن سعيد الحكم في 1970. وهي تجربة جديرة باعتبارنا جميعا. جاء لمساعدته بالمهمة عمه طارق بن تيمور وسلمه رئاسة الوزارة لكن العم وابن اخيه سرعان ما اختلفا في ادارة السفينة. وجسم اختلافهما الاختلاف التاريخي بين المدرستين الفكريتين، القارية الاوربية (الكونتننتال) التي أمنت بالطفرات والتحول الثوري، والمدرسة الانجليزية التي أمنت بالمراحل والتطور التدريجي. انتمى طارق بن تيمور للمدرسة الاولى، حيث درس ونشأ في المانيا. وانتمى قابوس بن سعيد للمدرسة الثانية، حيث تلقى دراسته وخبرته في بريطانيا.

وشاءت الاقدار ان تصطدم المدرستان الفكريتان على مسرح عمان. كان رئيس الوزراء يرغب في تطبيق الديمقراطية البرلمانية فورا عبر صناديق الاقتراع، في حين رأى السلطان قابوس ان البلاد لم تكن مؤهلة بعد لهذه التجربة. آمن بأن من الضروري اولا تضميد جراح البلاد ورفع المستوى الاقتصادي والثقافي للشعب واعداد المواطنين للعملية الديمقراطية قبل الخوض اعتباطيا فيها. لم يكن السلطان قابوس صدام حسين ثانيا ليأمر باعتقال عمه او اغتياله. عاد الى اسلوبه في المشاورة فكلف مجموعة واينهيد الاستشارية لتعطي رأيها في الموضوع، وبعثت المؤسسة بأحد خبرائها، جون تاونسند لدراسة الامر. جلس هذا لمدة عشرة اشهر في عمان، ثم اعطى رأيه وكان بجانب رأي السلطان. اعتمد قابوس تقريره وانطلق بسياسته المرحلية التدريجية من مجلس استشاري الى مجلس شورى معين ثم مجلس شورى منتخب، وما زالت السفينة في طريقها. بفضل هذه السياسة الهادئة تمكنت عمان من احراز هذا التقدم الرائع رغم قلة مواردها. وسارت معها في هذا المشوار بقية الدول الخليجية وحققت مثلما حققت من التقدم والازدهار والسلام الوطيد المدعوم بالاستقرار.

العيب الرئيسي في هذه المدرسة وهذه المسيرة انها تتطلب الصبر، وهو ما يفتقر اليه العراقيون فأوقعوا بأنفسهم، وتميز به العمانيون فأفلحوا. ربما نجد ان اهل عمان قد ذاقوا من ويلات الحروب الاهلية والمنازعات الداخلية ما يكفي فصبروا وتصابروا.

يبحث الجميع ويتساءلون ما علة العرب؟ ما عيبهم؟ ما نقصهم؟ ما الذي اوقعهم ويوقعهم باستمرار في هذه المطبات المزرية؟ الجواب في رأيي هو اننا ندرس في مدارسنا ونطالع في بيوتنا كل ما لا ينفعنا وقد يضرنا. بدلا من قراءة ما كتبه جون تاونسند عن النهوض بالبلاد او ما قاله شارلس داروين عن التطور العضوي او ما سطره الدكتور الوردي عن حكم الاشفيائية في العراق.