الفهلوي

TT

ضحكت حتى طفرت الدموع من عينيي حين سمعت بهذه القصة واعتقد انني عزمت حينها على ان ارويها لكم في اقرب فرصة ممكنة. ولاسباب منطقية ارتبطت القصة في ذهني بانطباعي الاول عن الثروة ومن يستحقونها.

كنت طالبة في دولة اوروبية اقيم مع اسرة. ولاحظت ان ربة المنزل تحرص حرصا شديدا على جمع طوابع خضراء اللون في كتيب صغير. كانت تلصق الطابع بجوار الطابع حتى تمتلئ صفحة فتطويها لتبدأ في ملء صفحة جديدة. وحين استوضحتها الامر قالت لي: انها طوابع الدرع الاخضر وانها تصرف في السوبرماركت طابعاً واحداً عن كل عشرة جنيهات ينفقها الزبون ومعها كتيب تلصق فيه. وحين يمتلئ كتيب بالطوابع يعاد الى السوبرماركت فيحصل الزبون على عشرة جنيهات او بضائع بنفس القيمة. فيما بعد علمت ان صاحب فكرة طوابع الدرع الاخضر سجل فكرته لكي لا يقتبسها منه احد وانه جنى ارباحا بلغت الملايين لأن الفكرة نجحت كوسيلة تسويقية واصبحت ماركة مسجلة باسمه لا يمكن استخدامها الا نظير نسبة تدفع له عن كل طابع وكل كتيب.

ترسخ في ذهني انطباع تحول الى قناعة وهي ان الشطارة مهارة تتحول الى فكرة وان الفكرة تتحول الى كسب مشروع.

عاودتني تلك القناعة حين سمعت بحكاية مليونير عربي يقيم في نيويورك. المهاجرون العرب كثر ولكن المهاجر الذي يتحول الى مليونير ينتمي الى فئة نادرة لابد انها تتمتع بقدر مضاعف من المهارة والشطارة والمثابرة والقدرة على اثبات الوجود.

دخل المليونير احد البنوك الامريكية الكبرى في نيويورك وطلب مقابلة المدير. وحين التقاه طلب قرضا قيمته خمسة الاف دولار لمدة اسبوعين، وقدم للمدير بياناته الشخصية التي تثبت انه صاحب اعمال وان سمعته طيبة في الاسواق. فلم ير المدير سببا وجيها للرفض ومع ذلك طلب من محدثه ضمانا عينيا قبل ان يصرف له قيمة القرض. فما كان من المليونير الا ان وضع مفتاح سيارته الفيراري الجديدة على مكتب المدير قائلا: ان السيارة مصفوفة في جراج البنك الكائن اسفل البناية. فاحتفظ المدير بمفتاح السيارة في الخزنة ووقع بالقبول وطلب من الزبون خمسة عشر دولارا كمصاريف ادارية يحصلها البنك قبل صرف المبلغ المطلوب.

وبالفعل بعد اسبوعين بالتمام والكمال عاد المليونير وطلب مقابلة المدير وسدد قيمة القرض وطلب مفاتيح الفيراري وشكر المدير وهمّ بالرحيل. غير ان مدير البنك استوقفه على استحياء وقال له: ان ثمة امر يشغله ويتمنى ان يجد له تفسيرا. قال انه شعر بأن من واجبه ان يستفسر عن طالب كل قرض وان استفساراته اشارت الى ان محدثه يتمتع بثروة كبيرة وان موقفه في السوق قوي للغاية فلماذا وجد مثله احتياجا لاقتراض خمسة الاف دولار من البنك؟ عندئذ ابتسم المليونير وقال له: الحقيقة هي انني كنت على وشك القيام برحلة خارج الولايات المتحدة لمدة اسبوعين. فلم اجد خيرا من جراج البنك لصف سيارتي الى حين عودتي الى نيويوك. وان تكاليف صف السيارة في جراج المطار لمدة اسبوعين هي عشرة اضعاف الخمسة عشر دولارا التي حصلها البنك كرسوم لصرف القرض خاصة وان فرع البنك يقع على بعد مائة متر من المطار.

اضحكتني القصة واقنعتني ان بطل القصة يستحق ثروته لانه ابتكر وسيلة لتوفير نفقات صف السيارة بأسلوب ينم عن ذكاء. وربما كان سروري بالقصة انعكاساً لمشاعري العدائية نحو البنوك التي تجني ارباحا طائلة من الفوائد على القروض ولكنها لا تمنح اصحاب المال إلا النذر اليسير حين يودعون مدخراتهم لديها.