للسذج فقط!

TT

حرصت أن أكتب مقالي للسذج فقط، فأنا لا أريد أن يشمت بنا الأذكياء الشطار الذين يلعبون بالبيضة والحجر، فما سأرويه هنا يجعل حالي كحال الـ900 شخص عربي الذين اشتروا نجوما في فضاء الكون وأطلقوا أسماءهم عليها بعد أن قاموا بتسجيلها في الوثيقة الفلكية التي تصدر عن «انترناشيونال ستار ريجستري»، وفق خرائط تم الحصول عليها من وكالة ناسا الفضائية، ووفق صفقة تصفها سمسارة بيع النجوم في منطقة الشرق الأوسط بقولها: «إن النجمة سعرها بسيط وموثقة وفق خريطة فلكية يتم الحصول عليها من قبل مرصد هابل العالمي، وتعطى للمشتري شهادة تؤكد له الموقع والاسم».

فكاتب هذه السطور قد سبق هؤلاء بسنوات طويلة، واشترى قطعة على سطح القمر في شارع تجاري بسعر دولار أميركي واحد، يومها كنت طالبا في جامعة ويسكنسن، وكانت أميركا لا تزال تجتر نشوة السبق في الصعود إلى القمر، فتفتق ذهن أحد الأميركان المفلسين عن مشروع استطاع أن يحقق من خلاله عائدا ماليا كبيرا، إذ قام بطباعة عدد كبير من الصكوك القمرية، وجاء بها إلى حرم الجامعة عارضا تلك الصكوك المختومة التي تثبت الملكية، فتهافت الطلاب على شرائها من باب الطرافة والغرابة والذكرى، وقد فعلت ما فعل القوم وأنا أمني النفس بأن أصعد إلى ممتلكاتي ذات يوم فأمد لساني من هناك لأهل الأرض «الغلابة» الذين يتناحرون من أجل قطعة أرض.

وبعد ذلك التاريخ بسنوات، قررت أن أترك الخيالات وأتعامل مع الواقع، فاشتريت قطعة أرض في مدينة جدة وفق مخطط معتمد دفعت ثمنها بالتمام والكمال، واليوم رغم مرور أكثر من عشرين عاما على الشراء، اكتشفت أن قطعة الأرض التي اشتريتها كقطعة القمر، لا وجود لكلتيهما في الواقع، وأن البائع للأرض والبائع للقمر يشتركان في بيع الوهم للحالمين من أمثالي، فحدود البلطجة تمتد من القمر إلى الأرض.

وعلى الرغم من خيبتي، فأنا أشعر بأن حظي أفضل كثيرا من حظوظ الذين اشتروا النجوم، فأنا أستطيع أن أرقب القمر كل ليلة تقريبا، أما أولئك الذين اشتروا النجوم فقد اكتشفوا لاحقا أن نجومهم لا ترى بالعين المجردة، وبالتالي فإن على المالك الذي يرغب في حماية ممتلكاته أن يستعين بمرصد فلكي ليتفقدها بالرعاية كل يوم، فمن يضمن له أن غزاة الأرض سيحجمون عن سرقة النجوم؟!.. كما أنني أتميز عنهم بالقدرة على رفع عقيرتي حينما أريد، فأترنم بأغنية الراحل طلال مداح: «وما دام معايا القمر.... مالي ومال النجوم».

[email protected]