إيران : الوجه الآخر لقنبلة إعلان التخصيب

TT

هل كان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد متأثرا برواية شعبية طهرانية في محاولة لإخراج الجمهورية الاسلامية مما يبدو كأسوأ ازمة في مجال السياسية الخارجية في تاريخها ؟

طرح هذا السؤال قبل ايام في الوقت الذي كان فيه الايرانيون يراقبون الرئيس المتحمس يعلن «دخول ايران النادي النووي».

وكان الاعلان مرتبا بطريقة للحصول على اكبر تأثير. فقد جرى الاعلان في مشهد، ثاني اكبر مدينة ايرانية، والتي تضم اهم الاضرحة الشيعية. وتم عشية وصول فريق من المفاوضين الى طهران، برئاسة مدير وكالة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي. ووصف احمدي نجاد، الذي كان يقف امام علم ايراني عملاق، الاعلان بأنه «هدية خاصة» بمناسبة مولد الرسول عليه الصلاة والسلام. وانتشرت في العرض الاغاني والرقصات اداها رجال ونساء يرتدون ازياء شعبية، بصورة تقترب من تسجيل اضافة الى اسلوب كوريا الشمالية في الاستعراضات، فيما جاء مجمل المشهد وكأنه مزيج مبهر من الاسلام والوطنية والعلوم، والمرونة السياسية والادعاءات السياسية والمرونة الدبلوماسية.

ولكن الاعلان بأن ايران تسيطر على انتاج الوقود النووي، وانها نجحت في تخصيب اليورانيوم بحد ادنى مقبول في الظروف المختبرية، ربما لا يكون امرا مهما بالنسبة لشخص افضل اطلاعا. وفي الواقع، فإن ايران كانت لديها القدرة العلمية والتكنولوجية للقيام بذلك في عام 1977. وفقدت هذه القدرة عندما استولى اية الله خميني على السلطة في عام 1979، واوقف البرنامج النووي باعتباره عملا «شيطانيا» واعدم البعض ودفع البعض الاخر الى الهجرة.

يشير بعض المدعين الى ان المعلومات المطلوبة للقيام بما ادعت ايران انها قامت به متوفرة على الانترنت، وانه، اذا ما توفر المال، يمكن للمواطنين تخصيب اليورانيوم بنسب بسيطة. الا ان هذا الادعاء خطأ.

القضية هنا ليست تخصيب اليورانيوم ولكن العثور على وسيلة لخروج الجمهورية الاسلامية من مواجهة خطيرة مع الامم المتحدة بدون فقدان ماء الوجه.

وفي هذا المجال يجب حصول احمدي نجاد على اعلى الدرجات. ولكنه ربما يدين بذلك الى قصة شعبية طهرانية ذكرناها من قبل. وهذه القصة تدور حول البطل علي غولابي (علي الكمثري) وهو شاب صغير لديه طموحات كبيرة. وكان الرجال الاكبر حجما يعتبرونه قزما، ويضطهدونه كلما امكنهم ذلك، ولا يقدمون له مقعدا على المائدة في المقهى. ما الذي يفعله علي غولابي؟ يدور في كل مكان حاملا سكينا كبيرة، مثيرا ضجة، يكسر النوافذ هنا وهناك، ويقتل قطة خنقا لإظهار قوته. وتثير تصرفاته ضيق الرجال الكبار الذي يريدون شرب الشاي وتدخين الشيشة ولعب الطاولة في هدوء.

الا ان علي يعرف متى يتوقف. فعندما يخرج الرجال من المقهى لمواجهته، يعلن انه لن يفعل ذلك مرة اخرى. ويؤدي ذلك الى تخفيف التوتر ويبعده عن المواجهة حتى المرة القادمة.

واذا كان تحليلنا صحيحا فإن الخطوة القادمة للجمهورية الاسلامية هي الاعلان انه، بعدما فعلت ما تريده، قررت التوقف عنه لفترة تعبيرا عن النوايا الحسنة.

وامام ايران اقل من اسبوعين قبل 28 ابريل وهو الموعد الذي حدده مجلس الامن.

ربما اكون مخطئا، ولكني اعتقد ان اعلان احمدي نجاد يقدم اول فرصة على منع الازمة من الانفلات. ان تراجع الايرانيين، اذا لم يكن قد حدث قبل نشر هذه المقالة، سيأتي قريبا لا محالة.

السبب هو ان احمدي نجاد حقق أهدافه التكتيكية وليس هناك سبب يدفعه الى اثارة مواجهة في هذه المرحلة.

يتلخص هدفه الأول في التشكيك في الرئيسين اللذين سبقاه ـ محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني ـ بتصويرهما كرئيسين ضعيفين أذعنا للضغوط ووافقا على وقف تخصيب اليورانيوم.

نجح احمدي نجاد في خلق صورة لنفسه تتسم بالشجاعة والشهامة والإقدام حول اسطورة «صرامته ونقائه». ويزعم احمدي نجاد ان رفسنجاني اذعن لضغوط القوى الخارجية بسبب مصالحه التجارية، وفيما سعى خاتمي الى اجتذاب اهتمام قادة ووسائل إعلام الغرب، اما احمدي نجاد ففخور بأنه رجل فقير ولا يريد اجتذاب او اهتمام احد سوى «الإمام الغائب».

الهدف الثاني لأحمدي نجاد يتمثل في الظهور بمظهر من هو في موقع قوة، وفي هذا الجانب نجح ايضا.

جاء إعلان مشهد بمثابة الفصل الأخير في مسلسل الأحداث الدرامية التي بدأت في فبراير الماضي عندما جرى اكبر استعراض عسكري تشهده طهران، ثم جاءت بعد ذلك المناورات العسكرية التي اجريت في مضيق هرمز وخليج عمان قبل تجريب ما زعمت طهران انه «اسرع صاروخ بحري في العالم». وجرى ايضا استعراض ما اطلق عليه «القارب الطائر» الذي اعتبرته طهران «معجزة في التكنولوجيا العسكرية». سلط احمدي نجاد الضوء ايضا على نزعته المتطرفة بوعده بـ«مسح اسرائيل من الخارطة». من الصعب بالطبع على اي شخص اتهام احمدي نجاد بالضعف او بنقص الحماسة الثورية.

ولذلك، وبعد ان ظلت طهران حريصة على الظهور بصورة قوة عسكرية رئيسية لا يمكن لأي جهة ان تمارس معها التخويف، باتت ايران الآن في موقع يسمح لها بإظهار «الشهامة» في خدمة السلام والتفاهم. ليست هذه هي المرة الاولى التي ينجح احمدي نجاد في إخراج ايران من ورطة. ففي اغسطس عام 1988 شنت ايران اكبر هجوم عسكري لها طوال حربها التي استمرت ثماني سنوات ضد العراق. وكان ذلك الهجوم بمثابة مقدمة لإعلان قبول طهران لمبادرة وقف إطلاق النار تقدمت بها الامم المتحدة، وكانت ايران قد رفضتها مرارا، وهكذا صور التراجع وكأنه انتصار «للاسلام والثورة».

اذا لعبت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الاوروبي الدور المرسوم في مسألة احمدي نجاد فستزول هذه الازمة في الغالب قريبا. ستعلن ايران قرارا رسميا بتعليق تخصيب اليورانيوم لمدة عامين وربما توافق في وقت لاحق على تمديد الفترة لعشر سنوات. ومن المحتمل ان توافق على عرض البروتوكولات الإضافية لمعاهد الحد من الاسلحة النووية أمام المجلس الاسلامي للمصادقة عليها، مع دعوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستئناف عمليات التفتيش في ايران. وبما ان تخصيب اليورانيوم ليس محظورا في معاهدة الحد من السلاح النووي، ليس أمام الولايات المتحدة او اي من حلفائها ما يمكن عمله ازاء شيء يقول علي انه فعله مسبقا ولن يفعله مرة اخرى.

ولكن على الرغم من احتمال ان يسفر كل ذلك عن تأجيل آخر، فإن المشكلة التي سببها رفض ايران لقبول الوضع الراهن الجديد في الشرق الاوسط لن تنتهي بهذه السرعة. العالم الخارجي لن يكون متأكدا حول ما اذا كانت ايران تعمل على انتاج قنبلة نووية. كما لا يستطيع احد التأكد مما اذا كانت ايران، التي تحاول ان تلعب دور «القوى العظمى الاسلامية» في إطار «صراع حضارات» عالمي، ستحتفظ باستمرار بفطنة وتعقل بطل الحكاية الشعبية، علي، الذي سبقت الإشارة اليه.