ليس جدارا عنصريا

TT

لا أدري من علق مقولة ان الجدار الحدودي العازل الذي بنته اسرائيل على الاراضي الفلسطينية المحتلة مشروع للفصل العنصري، الحقيقة غير ذلك.

الأسوأ أن وظيفة الجدار سرقة للاراضي المحتلة في وضح النهار.

وظيفته بالخط الجغرافي الذي صبته الأساسات الاسمنتية، خلق أمر واقع يفرض على العالم حتى يقبل به في أي مرحلة مفاوضات مقبلة للحل السلمي. لكن قولنا ان هدف بناء العازل هو التمييز ضد الفلسطينيين ضعيف، لأن اسرائيل تستطيع ان تفند دعوى تهمة العنصرية بالتذكير ان اكثر من مليون من «مواطنيها» في داخل اسرائيل هم فلسطينيون ويعيشون معها نصف قرن ويحملون هوياتها وتدعي ان لهم نفس الحقوق الممنوحة لليهودي الاسرائيلي. ترديدنا بأن الجدار عنصري في أهدافه غير مقنع، لكن الأكيد والظاهر للعيان انه يقتطع اجزاء مهمة من اراضي الفلسطينيين، وهذا يخالف القانون الدولي الذي يحرم تغيير المناطق الواقعة تحت الاحتلال بما يخل بأوضاعها أو ملكيتها.

والجانب الآخر للقصة والمحزن ايضا، اننا سعداء لأننا انتصرنا في قضية أساسا طارئة، حتى تحولت معركة الأرض المحتلة الى معركة جدار، وانصبت الجهود على هدمه لا تحرير وإقامة دولة فلسطينية. هذا يعكس كيف انقلبت الاولويات متراجعة عن تحرير الاراضي المحتلة، انتفاضة، فمفاوضات شاملة واعدة، فمعارك خاسرة، فجدار عازل، وأخيرا صراع ووساطات وتكتلات من أجل وقف ثم هدم الجدار.

ولا أستهين بكسب معركة قانونية فهي أعطت الفلسطينيين اكثر من مجرد التأييد القضائي الدولي كما أكسبتهم مسحة تأييد غير مألوفة، 14 قاضيا مقابل واحد. ولا ننسى ان الصراع القانوني جزء مهم من تأصيل وتوثيق الحقائق على الورق، وهو ضروري غدا لتثبيتها على الأرض. إنما ارى في كل المعارك الماضية ان القيادة الفلسطينية تكاد تنسى القضية الرئيسية، التحرير والدولة، وتنشغل دائما في قضايا ثانوية، رئاسة الوزراء والصلاحيات والاصلاحات والاجهزة الأمنية، والآن الجدار.

القضية في الوسيلة وتبدأ بتفعيل التفاوض وإعادة الكرة مرة بعد اخرى. بالنسبة للاسرائيليين فهم سعداء ان يروا الفلسطينيين منشغلين، ولكل موسم قضية، ربحا او خسارة. فهم بنوا الجدار مدركين تبعاته، مبررين وجوده بالضرورة الأمنية، لمنع التسلل «غير القانوني»، والحد من العمليات الانتحارية. وكل يعلم انها حجة ساقطة لسببين مهمين، اولهما، ان المقاومة الفلسطينية سببها الاحتلال، ولا يمكن ضمان الأمن بدون رد الارض لأهلها. ثانيهما، ان الجدار كان يمكن احتماله لو بني على الحدود الدولية الفاصلة، كما كانت قبل حرب 67. وربما كان ينبغي علينا ان نشارك في بناء الجدار لو أقيم على الخط الحدودي لأنه سيضمن الفصل القانوني الضروري لأي حل سياسي مقبل، لكن بكل أسف المسار الذي اختاره مهندسو العازل الاسمنتي صمم لبعثرة المواقع الفلسطينية، وتقطيع أوصال مناطق مترابطة، وتأمين احتلال مريح لهم، يضيق على الاهالي في معيشتهم ويوسع على المستوطنين.

[email protected]