تضارب مبكر حول ملابسات مقتل القذافي

TT

لندن: «الشرق الأوسط»
كما اعتاد العقيد الليبي معمر القذافي طيلة حياته أن يثير حيرة ودهشة العالم، تسببت التصريحات المتضاربة حول ملابسات وفاته أمس في إثارة الكثير من اللغط حول ظروف مقتله.. ليترك للعالم - شاء أم أبى - لغزا أخيرا، قد تطول الأيام قبل فك شفراته.

وكانت الأنباء قد توالت منذ صباح أمس تؤكد عثور الثوار الليبيين على العقيد معمر القذافي بمدينة سرت، بعد سقوطها في يد قوات الثوار.. ولكنها تضاربت حول ما إذا كان قد تم العثور عليه حيا أم ميتا، أو أنه قد تم قتله أثناء المعارك الدائرة بين القوات الموالية له مع الثوار.

وفي حين كان أول تلك الأنباء يفيد بأنه تم اعتقال الزعيم المخلوع في سرت، وأنه مصاب في ساقيه وتم نقله بسيارة إسعاف إلى مصراتة، بحسب تصريحات أحد مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي. وأشارت قناة «ليبيا - الحرة» (التابعة للثوار) إلى القبض على العقيد الليبي، ناقلة عن المجلس العسكري لمدينة مصراتة أن كتيبة «البركان» ألقت القبض على القذافي، وأن القذافي «اعتقل في الوقت نفسه مع ابنه المعتصم ومنصور الضو (قائد كتائبه الأمنية)، وعبد الله السنوسي» قائد الاستخبارات الليبية، في سرت، إلا أن ناشطين على الإنترنت أفادوا بأن القذافي قتل في غارة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) قرب سرت. وأكد شهود عيان بالمدينة أنهم رأوا جثة القذافي، بجوار أحد محطات الصرف.

وأوضح عبد المجيد مليقطة، المسؤول بالمجلس الانتقالي الليبي، أن القذافي اعتقل وأصيب قرب مدينة سرت (مسقط رأسه) فجر (أمس) الخميس، بينما كان يحاول الفرار في قافلة هاجمتها طائرات حلف شمال الأطلسي.

وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة «رويترز»، أن أبو بكر يونس جابر قائد القوات الموالية للقذافي قتل أثناء عملية اعتقال الزعيم المخلوع. وذكر أن أحمد إبراهيم، وهو قريب ومستشار للقذافي، اعتقل ومعه موسى إبراهيم، المتحدث باسم الحكومة السابقة.

وفي الإطار ذاته، صرح محمد ليث أحد القادة في قوات النظام الليبي الجديد القادمين من مصراتة (غرب سرت)، لوكالة الصحافة الفرنسية أنه تم «اعتقال القذافي وأصيب بجروح خطيرة، لكنه لا يزال يتنفس»، مؤكدا أنه رأى بنفسه القذافي. وأشار إلى أن القذافي كان يرتدي زيا عسكريا وعمامة على الرأس.

إلا أن مسؤولا بحلف شمال الأطلسي قال إنه يحتاج وقتا لتأكيد الخبر.. مضيفا: «نفحص ونقيم الموقف.. من الواضح أن هذه تطورات مهمة جدا وسيستغرق تأكيدها وقتا.. إذا صحت فسيكون هذا يوما تاريخيا للشعب الليبي».

ثم أفاد الحلف أن طائراته هاجمت عربتين عسكريتين قرب مدينة سرت صباح الخميس، لكن الكولونيل رولان لافوا، المتحدث العسكري باسم الحلف، لم يؤكد أن الزعيم المخلوع معمر القذافي كان في إحداهما.

وقال لافوا: «في نحو الساعة الثامنة والنصف بالتوقيت المحلي اليوم (أمس) ضربت طائرات حلف الأطلسي عربتين عسكريتين لقوات موالية للقذافي كانتا ضمن مجموعة أكبر كانت تتحرك في محيط سرت».. مضيفا: «هاتان العربتان المسلحتان كانتا تقومان بأعمال عسكرية، وتشكلان تهديدا واضحا للمدنيين».

من جهتها، نفت قناة «الليبية»، الموالية للقذافي، أن يكون قد اعتقل أو قتل بعد سقوط مدينة سرت بأيدي مقاتلي المجلس الانتقالي الليبي.

وقالت القناة، على موقعها على شبكة الإنترنت، إنه «لا صحة للأنباء التي يتداولها عملاء الناتو عن القبض على الأخ القائد معمر القذافي»، مؤكدة أنه «بصحة جيدة ولا وجود لتلك الإشاعات التي تبثها قنوات العهر الإعلامي».. و«إنها ليست المرة الأولى التي يلجأون فيها إلى تلك الأساليب الوضيعة، من أجل إضعاف معنويات المجاهدين».

إلا أن عبد المجيد مليقطة، عضو المجلس الانتقالي، عاد وأكد لاحقا أن القذافي توفي متأثرا بجراحه، حيث قال: «أصيب أيضا في رأسه... كان هناك إطلاق نار كثيف على مجموعته وتوفي».

وسئل عما إذا كانت هناك أدلة مصورة تثبت وفاة القذافي، فقال: «لدينا الصور لكنها ليست متاحة الآن».

وأعلن مليقطة موت القذافي بعد أن أعلنت قوات المجلس الوطني الانتقالي سيطرتها الكاملة على مدينة سرت، وصرح بأن طائرات حلف شمال الأطلسي ضربت قافلة وأصابت أربع سيارات كانت متجهة غربا.

في غضون ذلك، بثت شبكات تلفزيونية على مستوى العالم صورة - قالت إنها - لجثة القذافي. وأكد مسؤول بالمجلس الوطني الانتقالي، في وقت لاحق، أن الصورة للقذافي، الذي توفي متأثرا بجراحه خلال عملية اعتقاله.

وكان عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس قد قال لقناة «الجزيرة» إن القذافي قتل «فعلا».. بينما قالت مصادر لقناة «العربية» إن جثة القذافي وصلت إلى مدينة مصراتة، مشيرة إلى أنه اعتقل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.

والتقطت الصورة فيما يبدو بكاميرا هاتف جوال، وتظهر جثة رجل شاحب الوجه مغطاة بالدماء، بينما سالت الدماء من أحد جانبي فمه وكان يرتدي قميصا داكنا ملطخا بالدماء. ويشبه الشخص القذافي كثيرا بشعره الأسود المجعد وملامح وجهه.

ولكن، وفي استمرار للتضارب في الأنباء، قال محمود شمام، وزير الإعلام الليبي، لوكالة «رويترز» إن «الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي قتل خلال هجوم لقوات المجلس الوطني الانتقالي»، وإن هناك دليلا مصورا على ذلك.. وهو ما يخالف ما سبق أن أعلنه أكثر من مسؤول ليبي بأن القذافي قتل متأثرا بجراحه التي لحقته جراء قصف طائرات الناتو.

وحسما للأمور، أعلن الناطق باسم المجلس الوطني الانتقالي عبد الحفيظ غوقة، في مؤتمر صحافي ببني غازي، مقتل القذافي على أيدي الثوار.. مؤكدا رواية شمام. واعتبر غوقة أنها «لحظة تاريخية.. ونهاية الديكتاتورية والطغيان»، وتابع أن نبأ مقتل القذافي «أكده قادتنا على الأرض في سرت، وهؤلاء أسروا القذافي عندما جرح في القتال في سرت».

وأضاف غوقة: «لدينا معلومات عن قافلة قصفها حلف شمال الأطلسي بينما كانت تهرب من سرت، وبعض المعلومات تتحدث عن وجود أبناء للقذافي في هذه القافلة، ونقوم بالتحقق من ذلك».

إلى ذلك، وعلى درب أبيه ذاته، اختلفت الروايات حول المعتصم، النجل الخامس للعقيد الليبي معمر القذافي، وما إذا كان قد تم اعتقاله أو العثور عليه ميتا في سرت.

حيث أكد تقرير بثته قناة «ليبيا الحرة» أن القوات التابعة للمجلس الوطني الانتقالي اعتقلت المعتصم ورئيس الاستخبارات الليبية السابق عبد الله السنوسي صباح أمس في مدينة سرت الساحلية. وقال التقرير إنه تم نقل المعتصم والسنوسي من سرت إلى مصراتة (نحو 200 كلم شرق العاصمة طرابلس).

إلا أن قياديا بالمجلس الوطني الانتقالي أعلن العثور على المعتصم القذافي ميتا في سرت.