وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون الاثنين موضوع تسليح المعارضة السورية وسط فتور فرنسي وبريطاني

TT

باريس: ميشال أبو نجم
يعود ملف تسليح المعارضة السورية إلى بروكسل يوم الاثنين المقبل بمناسبة انعقاد اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين فيما تتضاءل الآمال بأن تخطو الدولتان المعنيتان أكثر من غيرهما بهذا الملف «فرنسا وبريطانيا» خطوة ملموسة بهذا الاتجاه.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»، إن «موعد الأول من أغسطس (آب) المقبل، وهو الموعد الذي كان يفترض به أن يكون بداية وصول السلاح الأوروبي إلى المعارضين»، «لن يغير شيئا بالنسبة لما هو الحال اليوم» في موضع التسليح ما سيشكل خيبة أمل كبيرة للمعارضة السورية. وبحسب هذه المصادر، فإن باريس ولندن «لن تقوما بتقديم السلاح الذي تطلبه المعارضة» وتحديدا الصواريخ المضادة للدروع وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة وهي التي طلبها اللواء سليم إدريس، رئيس أركان الجيش السوري خلال زيارته لباريس ولندن وخلال الاجتماعات المتلاحقة التي عقدت في إسطنبول والدوحة بحضور مسؤولين عسكريين غربيين رفيعي المستوى.

ويشكل الموقف الجديد تراجعا حقيقيا قياسا لما صدر عن العاصمتين الأوروبيتين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. وجدير بالذكر أن الفرنسيين والبريطانيين ألحوا على شركائهم في الاتحاد الأوروبي نهاية شهر مايو (أيار) الماضي رفع حظر إيصال السلاح إلى المعارضة السورية رغم معارضة وتردد الكثير من العواصم الأوروبية وعلى رأسها برلين. ورغم أن الحظر لم يعد موجودا منذ شهرين، فإن السلاح الأوروبي لم ينقل إلى المعارضة السورية بسبب حجتين: الأولى، وقوعه في «الأيدي الخطأ» والمقصود بها هنا جبهة النصرة وأخواتها من التيارات الإسلامية الجهادية والثانية تفتت وتشظي الكتائب التي يتكون منها الجيش السوري الحر رغم اعتماد الأوروبيين اللواء سليم إدريس القناة المفضلة لمرور المساعدات العسكرية أيا يكن نوعها «معدات عسكرية غير قاتلة مثل أنظمة اتصال مشفرة، معدات الوقاية، المساعدات الأخرى..».

بيد أن المصادر الأوروبية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ضمت إلى حججها سببين إضافيين: الأول، اعتبار أن ثمة دولا «تقوم بالواجب» بمعنى أنها تقوم بتزويد المعارضة بالسلاح الذي تريده في إشارة مباشرة إلى بلدان خليجية وفي إطار «متفق عليه» مثلما تؤكد هذه المصادر. ويعني هذا القول أن مجموعة أصدقاء الشعب السوري المصغرة التي تضم 11 بلدا اعتمدت سياسة «توزيع الأدوار» بحيث يعود للأوروبيين دور تأهيل وتدريب كتائب الجيش السوري الحر على استخدام السلاح الجديد الذي يصله عبر تركيا والأردن. فضلا عن ذلك، تغلق البلدان الأوروبية عينيها عن مصدر السلاح وكيفية وصوله إلى المعارضة. وتشير معلومات متطابقة إلى دور أميركي نشط في «تنسيق الجهود» لشراء السلاح وإيصاله إلى أيدي المعارضة.

أما السبب الثاني فيكمن في تراجع الدعم السياسي الداخلي في باريس ولندن لسياسة تسليح المعارضة السورية. ولعل الدليل الأقوى على ذلك أن مجلس العموم البريطاني صوت بأغلبية ساحقة الخميس الماضي على قرار يمنحه حق الاعتراض على أي قانون يتيح تسليح المعارضة السورية. ورغم أن شيئا من هذا النوع لم يحصل في البرلمان الفرنسي، فإن حماس المرحلة الأولى قد تراجع كثيرا. وجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كان أول طالب وبقوة برفع الحظر وهدد بتصرف فردي وأحادي إذا رفض الأوروبيون السير في هذا الاتجاه.

وقالت المصادر الدبلوماسية، إن «باريس ولندن ستقومان بكل ما هو ممكن ولكن دون اجتياز عتبة التسليح المباشر». ويعني هذا الكلام أن العاصمتين ستعززان جهود مساعدة المعارضة في التأهيل والتدريب والتخطيط والحصول على المعلومات فضلا عن المساعدات الطبية والإنسانية. أما من الناحية السياسية، فترى أن الجهود في الوقت الحاضر «معطلة» لأنهما تعتبران ألا فائدة من البحث في عقد مؤتمر «جنيف 2» طالما لم تنجح المعارضة في إعادة التوازن إلى ساحة المعركة. والحال ألا أحد اليوم يستطيع أن يقدر الوقت الذي تحتاجه المعارضة للعودة إلى الإمساك بزمام المبادرة ميدانيا فيما لو افترضنا أن السلاح الحديث سيتدفق على المعارضة.

ورغم ذلك، تشير مصادر فرنسية إلى أن بدء وصول مضادات الدروع أخذ يغير من شكل المعركة بين قوات النظام والمعارضة. ومن الأمثلة التي ساقتها أن المعارضة كانت تضطر سابقا إلى مهاجمة دبابات النظام من طراز «تي 72»، بسبب ضعف قاذفاتها، من مسافة 300 متر ليكون سلاحها فعالا. بيد أن السلاح الجديد المضاد للدروع الذي وصل أخيرا يمكنها من مهاجمة هذه الدبابات مزدوجة التدريع وأفضل ما يمتلكه النظام من مسافة 1000 متر وبفعالية أكبر.

واتهمت هذه المصادر النظام بأنه يطبق «خطة غروزني» في المدن السورية ومنها حمص على سبيل المثال وتقوم على دك وتدمير بفعل القصف المدفعي والصاروخي والجوي المكثف. ومدينة غروزني عاصمة جمهورية الشيشان التي دمرتها القوات الروسية في حربها على الانفصاليين الشيشانيين بداية 2000.

من ناحية أخرى، اعتبرت المصادر الغربية أن ثمة «تهديدا حقيقيا» في المنطقة في حال أقدمت روسيا، وفق ما تكرر إعلانه، على تزويد سوريا بأنظمة صاروخية متقدمة من طراز «إس 300». ونقلت هذه المصادر عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن تطورا من هذا النوع يعني «تغييرا في قواعد اللعبة» الضمنية القائمة بين سوريا وإسرائيل وفتح الأبواب أمام تطورات وصفتها بـ«الخطيرة» في الأزمة السورية أولا وكذلك في منطقة الشرق الأوسط.