سياسة التقشف هي السبيل لقيم إيطاليا

TT

يعتقد الكثيرون أن كرة القدم الإيطالية ستظهر بشكل منخفض بعد بيع بعض نجومها الكبار. يقال إنه نظرا للوضع الاقتصادي الحالي للأندية الإيطالية وللبلد سيكون من الأفضل تجنب إضافة ديون إلى مديونيات أخرى، ولكن هل نحن على ثقة حقا أن الاستغناء عن الأبطال أو ما شبه ذلك يعني إضعاف كرة الدوري لدينا؟ التاريخ يقول لا: فنادي بايرن ميونيخ، الذي يحرص دائما على الميزانيات السليمة، قام في الماضي ببيع أبطال مثل رومينيغه ولوثار ماثيوس ويورغن كلينسمان، ورغم ذلك استمر الفريق في الفوز. وهكذا مثل الميلان عندما اشترى خوليت من نادي بي إس في أيندهوفن فاز الأخير في الموسم التالي بالكأس الهولندية والدوري وكأس الأبطال.

جدير بالذكر أيضا أن البطولة الأوروبية الأكثر أهمية فازت بها مرات عديدة أندية اتصفت بالبيع أو كانت تعاني مشكلات في ميزانياتها مثل أياكس أمستردام وبورتو البرتغالي وفيينورد ونوتنغهام فورست وسيلتيك.. الخ. وماذا يمكن القول بشأن برشلونة الذي، حتى يصبح الفريق الأكثر عشقا في العالم باع رونالدينهو وديكو ثم هنري وصامويل إيتو وأخيرا إبراهيموفيتش، وتم استبدالهم بلاعبين من قطاع الناشئين؟

ربما أن كرة القدم هي مادة ليست بالبساطة التي يعتقدها الكثيرون. فهذه رياضة معقدة ينبغي فيها اتباع التنظيم والتخطيط الإداري بالصبر والكفاءة: فتشييد الكوخ يتطلب وقتا قليلا بينما يلزم إنشاء ناطحة سحابة أسس عميقة ووقت.

علاوة على ذلك من المهم أيضا أن يتشكل فريق كرة القدم من لاعبين يتسمون بالتفاعل الإنساني والمهارة الفنية والخططية، بينما الفرق الإيطالية بشكل عام هي وليدة عدة آباء وعند مقارنتها بالأبراج الأخرى كان برج بابل أكثر طولا منها. ومن خلال تلك السمات فحسب سيمكن للمدرب تقديم أسلوب اللعب الذي يضاعف الأداء الفردي والنجاحات، كما أثبتت إسبانيا، بطلة أمم أوروبا، ليس فقط مع منتخب بلادها الأول بل أيضا مع فريقي الشباب تحت 21 و19 عاما. وقد كان بوتراغينو، مدير العلاقات في ريال مدريد، وغوارديولا، مدرب البارسا السابق، يقولان لي إن النجاحات الإسبانية هي نتاج أسلوب في اللعب نضج في بيئة تعترف بالطريقة والجدارة.

بالنسبة إلى الإسبان كرة القدم كانت دائما عرضا رياضيا ودائما ما امتازت بالمهارة الفردية؛ غير أنهم استكملوا القفزة الحقيقية عندما حولوا ذلك إلى مهارة جماعية بـ11 لاعبا قريبين دائما من بعضهم البعض وينتشرون في مواقع جدية داخل الملعب وجميعهم متعاونون سواء والكرة بين أقدامهم أو دونها.

ومن هذا المنطلق يصبح إدماج اللاعبين الشباب أكثر سهولة، بينما يبدو ذلك مستحيلا تقريبا أينما بات العرض الكروي أقل أهمية والارتجال داخل الملعب هو العرف السائد.

ولكن للأسف المناخ في إيطاليا هستيري ومقلق: فالخبرة والشهرة أكثر أهمية من التنوع والشباب ومن أجل ذلك يتم الاستثمار قليلا على اللاعبين الشباب واستخدامهم داخل الملعب ما زال أقل.

إن كرة القدم المليئة بالخدع والتجارة ليست بالبيئة الملائمة للشباب الذين في حاجة إلى التعبير عن إبداعهم وحماسهم وتنوعهم ومن المؤسف أن كثيرا من المدربين يتكيفون على ضرورة انتزاع النتيجة والسير على الجانب الآمن: اللاعبين الناضجين. ووسط كل ذلك تترك الكرة الإيطالية أبطال المستقبل يهربون من بين يديها مثل فيراتي وبوريني، فيما يبذل آخرون الجهد لإيجاد مساحة لهم داخل الملعب مثل انسيني وديسترو وغابياديني وفلورينتسي وايموبلي و...الكثير من اللاعبين الشباب الذي لو كانوا في إسبانيا لربما شاركوا أساسيا. هذا لأن كرة القدم التي تتسم في الغالب بالفردية والتخصصية والدفاعية والتي هي وليدة بيئة لا تعترف بالجدارة وتقديم العروض الكروية، ليس لديها وقت للشباب. وعليه أتمنى أن تعيد إجراءات التقشف إبراز تلك القيم المنسية جزئيا: الدراسة والعمل والأفكار والشغف والاحترافية.

هكذا فحسب سيكون بإمكاننا تشييد مستقبل طيب ودائم.