نماذج متباينة

TT

أصبحت كرة القدم أهم ما يشغل محبي الرياضة، وخاصة اللاعبين والمدربين والإعلاميين الرياضيين وعامة الجماهير.. وغيرهم. وتركيزنا هنا سيكون على جزئية تتعلق بالفكر الكروي المعاصر؛ فقد شاهدنا في نهائيات البطولات العالمية الأخيرة، خاصة البطولات الأوروبية، نماذج متباينة من التفكير الكروي تحددها ملامح وتصرفات وتحركات وخطط متعددة، تشكل فيما بينها قدرا واسعا من الفكر الكروي الذي نتناوله هنا بصفة جزئية.

أهم ما يميز الفكر الكروي المعاصر يكمن في تكوينه العام من قواعد أولية عريضة يمكن تحديدها بصورة دقيقة. وتتمثل عادة فيما يمكن تسميته بالسيطرة؛ وفقدان السيطرة؛ وسيطرة الخصم، واستعادة السيطرة الميدانية. وأهم ما يجب التنبه له هنا هو عدم المزج بين القواعد التي أشرنا إليها وبين عمليات الهجوم والدفاع والانتقال من وضع تكتيكي إلى آخر.

الفكر الكروي المعاصر وقواعده الرئيسية هي في واقع الأمر أكثر اتساعا وتفصيلا وتعقيدا من هذه العمليات الميدانية المتعارف عليها التي يشاهدها ويعرفها الجمهور العادي، وهو ما يؤدي بكثير من اللاعبين إلى تحمل مسؤوليات ووجبات ومجهودات وتمركز غير ذي جدوى خلال المباريات، فاللاعب عادة يتخذ وضعية المهاجم أو المدافع في ذهنه قبل تحركه، وهذا ما يؤدي في التحليل المنطقي والدقيق لأوضاع الفكر الكروي المعاصر إلى ضعف القدرة الفكرية والعضلية على تقديم المساندة الدفاعية أو الهجومية بين لاعبي فريق واحد جراء ترسخ أفكار مسبقة في أذهانهم عن مهامهم المتوجب أداؤها، وعدم قدرته على تقديم ما يطلبه المدربون.

هذه الأفكار والوضعيات المسبقة في أذهان اللاعبين تعتبر أهم المعضلات التي تواجه المدربين، وتظهر جلية في المباريات القوية، ويصعب التخلص منها بعد سن محددة، وتبعا لذلك فإن من أهم مشكلات كرة القدم السعودية أن الاهتمام بالفئات السنية يحتاج إلى خبرات متخصصة في هذا المجال تسهم في صقل أفكار اللاعبين وتدريبهم وتوعيتهم فكريا وحركيا، بحيث يمكن لهم أن يتشربوا أفكار كرة القدم المعاصرة، التي لا تعترف بخطوط مفككة أو واجبات فردية لا يقوم اللاعب بأدائها، غير مدرك لأهمية المساندة والترابط بين الفريق كوحدة متكاملة تلعب بخطة شاكلة تقوم على واجبات فردية وجماعية، لا تشكيلة تختص بالوقوف في بقعة معينة من أرضية الملعب والاكتفاء بذلك.

إنها مسألة تبدو معقدة في نظر البعض، ولكن الفكر الكروي المعاصر يعتمد على القواعد التي أشرنا إليها من كيفية التمركز والسيطرة على المساحات والكرة ومجابهة تموضع الفريق الخصم وتحركاته، وكيفية الضغط لاستعادة الكرة عند فقدنها. عملية تحتاج إلى فكر جماعي يتدرج اللاعب في استيعاب عناصره منذ انطلاقته الكروية الأولى في برامج الفئات السنية في الأندية والمنتخبات.

الفوارق بين كرة قدم عصرية وأخرى نمطية تكمن في الفكر والرؤية الصحية التي يستوعبها اللاعبون عبر برامج تدريبية عصرية قائمة على العلم والمعرفة لا الاجتهادات. وهنا تكمن إحدى علل الكرة السعودية.