حقيقة مرة

TT

تحول المنتخب السعودي الأول لكرة القدم في إعلامنا الرياضي حاليا ليكون له الاهتمام الأكبر، والموضوع منطقي إلى هذا الحد، بيد أن غير المنطقي هو محاولات إعطاء المنتخب هالة أكبر من حجمه الفني الحالي. الأخضر كبير بلا شك بإنجازاته التاريخية، إلا أن هذا لا يبرر كل هذا التشنج والتهويل والخلط الرهيب، ومحاولات الإساءة والفذلكة. كرة القدم ليست حكرا علينا، والتطور الفني والتنظيمي متاح للكل، ومحاولات التصنيف والإساءة ونعت أبناء الوطن من رواد رياضة كرة القدم بجيل «النكبة» مرفوضة من أي جهة كانت، ومردودة على صاحبها «الصغير» الذي أساء إلى نفسه وصحيفته والآخرين، ولم يملك الشجاعة الأدبية لكي يضع اسمه على ما كتبه من هراء فاضح ومسيء، لا يسمن ولا يغني من «جوووع»!!

الخسارة واردة ولسنا استثناء. علينا أن «نعترف» بأن منتخبنا ليس بالصورة المطلوبة، من حيث الفكر والمهارات أو الأداء، وهذا طبيعي في ظل عوامل تعاني منها كرتنا. فتوفر، وتوقيت، وطريقة اختيار اللاعبين المحترفين الأجانب ومراكزهم في الأندية السعودية، وتعدد المشاركات الداخلية والخارجية، مما أصاب اللاعبين بالإرهاق النفسي والبدني، وطبيعة وتأثيرات نظام الاحتراف الحالي، الذي لا يمكّن من محاسبة اللاعبين على إنتاجيتهم مقابل ما يحصلون عليه من أجور عالية جدا، إضافة إلى «إهمال» القاعدة الأساسية في معظم الأندية الكبيرة والمتوسطة، وهي «حقيقة مرة» لا يمكن أن «تغطيها» بعض المحاولات هنا أو هناك، هي عوامل شديدة التأثير في المحصلة الأخيرة على أداء ونتائج المنتخب الوطني.

كم عدد اللاعبين الذين صعدوا من درجات السنيّة إلى الدرجة الأولى في الأندية الكبار مؤخرا؟ وما المستويات الفنية المميزة لهؤلاء الذين صعدوا بالفعل بحيث تسمح لهم بالالتحاق بالمنتخب؟ لقد أصبحت الأندية تعتمد على شراء «بطاقات» اللاعبين من الأندية «الصغيرة» بصورة متزايدة، والنتيجة النهائية هي ضعف قدرات هذه الأندية الإنتاجية، وتحولها إلى أندية «استهلاكية» تعتمد على «منتجات» غيرها. ومن العوامل المؤثرة «انعدام» الخطط المستقبلية المبرمجة لدى الأندية الكبرى؛ فالكل يدعي «التخطيط» للمستقبل والقاعدة السنية، غير أن الحقائق تبين أن الجميع يخطط لاقتناص بطولة ما، ثم يغادر ليتفاخر بها. فالتخطيط هو عملية «عشوائية» تؤدي إلى التراكم العددي، وقتل القدرات الصاعدة، وعدم منحها الفرص للظهور وإثبات وجودها.

هذه وغيرها هي «الأسباب» الأساسية خلف تدهور القاعدة الأساسية الكروية التي تمد المنتخبات الوطنية باللاعبين، وبالتالي ضعف قدرات هذه المنتخبات، لأن قاعدة الاختيار أمام أي مدرب للمنتخب هي قاعدة محدودة، خاصة فيما يتصل بالمهارات الهجومية التي كادت تنضب نتيجة التركيز على المهاجمين الأجانب.

المسؤولية مشتركة ولا يمكن إلقاؤها على عاتق الأندية وحدها، ولا بد من حوار موضوعي وصريح وبنّاء للوصول إلى تصور مشترك، لمعالجة مشكلاتنا الكروية، التي نتجاهلها عندما نحقق بعض الانتصارات ولا نتنبه لها إلا عندما نخسر.