نظام عصبي

TT

هل يمكن أن نطلق على التأثير الذي تمارسه وسائل الإعلام حاليا على الأنشطة الرياضية صفة النفوذ المحدود أم السيطرة الكاملة؟ خاصة في ظل تزايد أعداد وسائل الإعلام، كالصحف والمحطات الفضائية والإذاعية والهاتفية وشبكة المعلومات الدولية، التي لم تعد وسائط اتصال ونقل معلومات بين شخصين فحسب، وإنما هي شبكة هائلة بين ملايين البشر، فقد أضحى من المألوف أن نسمع أحدهم يقول للآخر: «آسف لا أستطيع الحضور، فهناك مباراة مهمة على التلفزيون»، أو يتساءل آخر أمام صديقه إن كان قد قرأ صحيفة رياضية محددة، أو تابع ما يدور عبر «الوتس آب» أو «تويتر» عن نجم معين. هكذا تتعدد الإشارات اليومية حول مدى ما وصل إليه نفوذ الإعلام الرياضي من انتشار، بحيث أصبح ما ينقله مادة للنقاش اليومي بين فئات كانت لا تهتم بالرياضة أصلا.

ينتشر الخبر والمعلومة الرياضية الآن بسرعة البرق، وتحولت وسائل الإعلام الرياضي إلى نمط وإشكالية جماهيرية كبرى، وكأنها «نظام عصبي» يسيطر على «الفكر الجمعي» الرياضي ويوجهه. لوسائل الإعلام الجماهيري هدفان أساسيان: تقديم المعلومة «الصحيحة»، وتوفير التسلية والترفيه، ومحاولة الإقناع، وتمرير نمط «محير» من «الثقافة» الرياضية إلى ملايين البشر.

ولكي تعمل وسائل الإعلام الجماهيري فإنه لا بد من وجود متلقين على الطرف الآخر، حيث أصبح مجتمع اليوم «اختياريا» ذواقا، وكل متلق يتفاعل بصورة مختلفة عن غيره مع ما يفرزه الإعلام الرياضي، بيد أن هذا التفاعل «محكوم» و«مؤدلج» بالتجارب والمصالح الشخصية، والتوجهات الاجتماعية، وتعدد وسائل الإعلام، التي تتجه «لوضع» المتلقي في مسار «فكري» رياضي محدد.

وسائل الإعلام الرياضي الجماهيري توجد في صيغ مختلفة. وتبدو بعض الأمثلة على هذه المنافذ الإعلامية الرياضية ذات توجه خاص بفرق أو أندية أو مدن أو أقاليم معينة، تستهدف متابعين لهم سمات اجتماعية واقتصادية رياضية محددة، خاصة بين الفئات الشابة. ومع هذه التباينات المهمة بين وسائل الإعلام الرياضي، فإن هناك ثلاثة قيود أساسية تترك آثارا انطباعية قوية على بعض فئات المجتمع. ويمكن لهذه القيود أن تجعل وسائل الإعلام الرياضي مقيدة، وأبرز هذه القيود: المنافسة، وطبيعة المادة الإعلامية، وثقافة المقدم الإعلامي.

وأفضل مثال نستحضره على «سطوة» الإعلام الرياضي الجماهيري، وقدرته على التأثير، هو سرعة انتشار الأحداث والفعاليات الرياضية اليوم. وسائل الإعلام هنا ليست مجرد ناقل محايد وبريء، لكنها فاعل مباشر و«شريك» قسري يفرض نفسه عنوة ويحاول صناعة الحدث. ومن البديهي أن هذه الوسائل، كان وما زال، بإمكانها حجب أحداث أو أفكار قد تتسبب في إثارة «أزمات جماهيرية» أو لا تتفق بالضرورة مع توجهات القائمين عليها. وهنا يكمن مربط الفرس، فوسائل الإعلام الرياضي تملك سطوة متنامية في الوسط الرياضي تجعل من المنتمين إلى هذه الأجهزة الإعلامية «لاعبا» رئيسيا في المنظومة الرياضية. واقعنا يتطلب العمل على استيعاب هذه الفئة بصورة إيجابية.